Home»Débats»قرار ترامب، استراتيجيا، يخدم الصهيونية المسيحية وحدها

قرار ترامب، استراتيجيا، يخدم الصهيونية المسيحية وحدها

0
Shares
PinterestGoogle+
 

أحمد الجبلي
بداية، لنحسم بأن السياسة الأمريكية يؤطرها الدين بشكل كبير، رغم أن الدستور الأمريكي ينص على أن أمريكا دولة علمانية لا دينية، ومن لم يصدق هذا فليقرأ كتاب الدين والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية لمايكل كوربت وجوليا كوربت، وهو كتاب يوزع مجانا في جميع السفارات الأمريكية بالدول العربية. وكتاب تلمود العم سام لمنير العكش، وكتاب المسيح اليهودي ونهاية العالم، لرضا هلال، وكتاب المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا لنفس الكاتب، وكتاب أرض الميعاد والدولة الصليبية لوالتر ماكدوكال، وكتاب يد الله للأمريكية جريس هالسل، والنبوءة والسياسة لنفس الكاتبة، وهذا الكتاب الأخير قد تم منعه وحصاره حتى في أمريكا نظرا لما يحمله من أسرار الصهيونية المسيحية وسياساتها في العالم بشكل عام وفي فلسطين تحديدا. فالكاتبة مسيحية إنجيلية تربية وثقافة وخلقا، اشتغلت في منصب حساس جدا وهو تحرير خطب الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، وهي صحفية مرموقة شرسة وموضوعية، وقد تعرفت على الحركة الصهيونية المسيحية عن قرب، وحاورت قادتها وفلاسفتها، وزارت فلسطين المحتلة عدة مرات وتحدثت أثناء رحلاتها لفلسطين عن بروتوكولات الزيارة الموجهة وبرامج تنظيم الصهيونية المسيحية لرحلات الحج التي تطال أكبر الشخصيات في أمريكا دعما لإسرائيل.
إن قرار ترامب لن يخدم المسلمين لا في فلسطين ولا في غيرها، كما أنه لا يخدم اليهود، لأن الصهيونية المسيحية الأمريكية تستهدف المنطقة لكونها أرض ميعاد النزول الثاني للمسيح، وتمهيدا لهذا النزول المقدس فلابد من تحقيق بعض الشروط أهمها استهداف قبة الصخرة، والتي مكانها القدس الشريف، بطبيعة الحال.
إن جميع المعارك التي خاضتها أمريكا منذ معاهدة فرساي سنة 1783 إلى الآن، والتي على إثرها تحررت من النفوذ البريطاني، كانت ذات منطلقات دينية محضة. بل يمكن القول بأن الحروب الدينية في أمريكا قد بدأت، حقيقة، منذ رست سفينة ماري فلاور على شواطئ أمريكا، والتي كانت تقل حجاج الصهيونية المسيحية المضطهدين من طرف الملك جيمس، حيث بدأ هؤلاء الحجاج في حرب إبادة همجية ضد الهنود الحمر.
ومن حينها اعتمد الرؤساء الأمريكيون، بدءا من جورج واشنطن فصاعدا، على الحس الديني، ليس للتأثير على عقول أبناء الشعب فحسب، بل على أفئدتهم أيضا لتأييد الأهداف الرئاسية والسياسية القادمة ذات الأصول الدينية. يقول السيناتور ألبرت بيفردج: « إن الله اصطفى الأمة الأمريكية من بين كل الأمم والشعوب وفضلها عليهم وجعلها « شعبه المختار » وذلك من أجل قيادة العالم وتخليصه من شروره »، إذن فاليهود في نظر الصهيونية المسيحية ليسوا هم شعب الله المختار، وسنرى كيف سيتم التعامل مع اليهود من خلال الرؤية المستقبلية الإنجيلية والتلمودية التي تعمل على التأسيس للنزول الثاني للمسيح.
يقول الكاتب التوراتي هال لندسي في كتابه  « العالم الجديد القادم » فكروا في ما لا يقل عن 200 مليون جندي من الشرق وملايين أخرى من قوات الغرب يقودها أعداء المسيح من الإمبراطورية الرومانية المستحدثة ( أوربا الغربية ) ثم يقول: « إن عيسى المسيح سوف يضرب أولا أولائك الذين دنسوا مدينته القدس. ثم يضرب الجيوش المحتشدة في ماجيدة أو هرمجيدون فلا غرابة أن يرتفع الدم إلى مستوى ألجمة الخيل مسافة 200 ميل من القدس..وهذا الوادي سوف  يملأ بالأدوات الحربية والحيوانات  وجثث الرجال والنساء »
ويقول:  » عندما تصل الحرب الكبرى إلى هذا المستوى  بحيث يكون كل شخص تقريبا قد قتل، تحين ساعة اللحظة العظيمة فينقذ المسيح الإنسانية من الاندثار الكامل، وفي هذه الساعة سيتحول اليهود الذين ينجون من الذبح إلى المسيحية « ، ونلاحظ هنا أهم الكلمات المفتاحية لهذا الخطاب هي  » تدنيس القدس »  » 200 ميل من القدس » « الحرب الكبرى »، « يتحول اليهود الذين سينجون من الذبح إلى المسيحية »، أي أن اليهود مستهدفون من طرف هذه الصهيونية المسيحية، وأنهم حتما سيبادون إلا فئة قليلة ممن سينجون سيتحولون إلى مسيحيين. ولكن قبل ذلك لابد أن تعمل الصهيونية المسيحية على تمكين اليهود من القدس حتى يخربوها ويدنسوها، وينقل هذا الكاتب التوراتي عن  إصحاح زكرياء 11\12 و 16\16 وعن إصحاح إسحاق 36\35 و 35  » إن ساحة معركة هرمجدون سوف تمتد من سهل مجيدو في الشمال إلى إيدوم في الجنوب، مسافة حوالي 200 ميل. وتصل إلى البحر الأبيض المتوسط في الغرب وإلى تلال موهاب في الشرق، مسافة 100 ميل تقريبا. إن سهول جزريل والنقطة المركزية للمنطقة كلها ستكون مدينة القدس. استنادا إلى زكرياء الآيتان 1 و2″
وفي سنة 1999 اعتقلت الشرطة الإسرائيلية مجموعة من الأصوليين الأمريكيين الذين قدموا من كولورادو،  والذين يطلقون على أنفسهم « المسيحيين المهتمين » ( أي مهتمين بالحرب الكبرى ومؤمنون بها) وبعدما تم القبض عليهم اتهمتهم السلطات الإسرائيلية بالقيام بعمل « نهاية دموية » من أجل تسريع العودة الثانية للمسيح. إن عملية التسريع هاته لها علاقة وطيدة بهدم قبة الصخرة بمدينة القدس حتى يتم بناء الهيكل الذي يعتبر النبوءة الوحيدة الباقية حتى تقوم حرب الإبادة والعودة التي يؤمن بها أزيد من 85 مليون أمريكي ويتشوقون لشرف حضورها. ولهذا نجد أن كل المسيحيين في الأرض مطالبون دينيا أن يدعموا اليهود حتى يقوموا بدورهم الأرضي الذي يحقق النبوءة وهي عودة المسيح.
تقول جريس هالسل: إن قادة اليمين المسيحي الجديد يعتقدون أن الكتاب المقدس يتنبأ بالعودة الحتمية الثانية للمسيح بعد مرحلة من الحرب أو الكوارث الطبيعية والانهيار الاقتصادي والفوضى الاجتماعية. وتقول إنهم يعتقدون أن هذه الأحداث يجب أن تقع قبل العودة الثانية كما يعتقدون أنها مسجلة بوضوح في الكتاب المقدس  » ومن غرائب الأمور أن القوم يعتقدون بما لا يدع مجالا للشك أن أثناء العودة الثانية للمسيح فإن المسيحيين المخلصين سوف يرفعون ماديا (جسديا) من فوق الأرض ويجتمعون بالمسيح في الفضاء، ومن هناك سوف يراقبون بسلام الحروب والمشاكل الاقتصادية، وفي نهاية المحنة سيعود هؤلاء المسيحيون المولودون ثانية مع المسيح كقائد عسكري لخوض المعركة الفاصلة ولتدمير أعداء الله من مسلمين ويهود ومن ثم ليحكموا الأرض لمدة ألف عام.
إن الرئيس الأمريكي ريغان كان يقول: إن جميع النبوءات التي يجب أن تتحقق قبل  الحرب الكبرى قد تحققت، في الفصل 37 من حزقيال أن الله سيأخذ أولاد إسرائيل من بين الوثنيين حيث سيكونون مشتتين ويعودون جميعهم مرة ثانية إلى الأرض الموعودة. لقد تحقق ذلك أخيرا بعد ألفي سنة، ولأول مرة يبدو كل شيء في مكانه بانتظار معركة هرمجيدون والعودة الثانية للمسيح.
إن الأصولية الإنجيلية المتصهينة لا تقتصر على مجرد تقديم تفسيرات معينة للدين ولكن تحاول أن تصنع المستقبل وفقا لهذه الفهوم والتفسيرات. كذلك فإن الإيمان بأنه لابد من محرقة تحضر لعودة المسيح وأنه لابد أن يذوب في هذه المحرقة كل أولائك الذين ينكرون المسيح من ملحدين وشيوعيين ومسيحيين علمانيين ومسيحيين غير إنجيليين ومن مسلمين ومن معظم اليهود، إن هذا الإيمان يقف وراء قرار ضرورة إضعاف العرب، وضرورة تعزيز الترسانة العسكرية لإسرائيل، ووراء حتمية الاستجابة إلى جميع مطالبها بالدعم المالي والسياسي والعسكري.
وفي الأخير يمكن أن نقول: لماذا لم تقم الحرب الكبرى لحد الآن، مع أن الكل يدعو إليها ويعتبرها قدرا إلاهيا ولابد منه حتى يعود المسيح؟
حتى نجيب عن هذا السؤال، لابد أن نقول: لعل من أهم الأسباب التي لم تعجل بهذه الحرب المنتظرة، انتظار الأطراف للشرط ما قبل الأخير الذي هو بناء الهيكل على أنقاض قبة الصخرة بالقدس، أي أن المسيحيين الإنجيليين يسعون من حين لحين لتحقيق هذا الشرط، ولكن الظروف التي تعيشها إسرائيل وسط مقاومة شرسة من الفلسطينيين، والعمليات الاستشهادية المطردة والدفاع المستميت عن الأرض والعرض على رأسهما الأقصى الشريف وقبة الصخرة، فضلا عن إكراهات المنتظم الدولي والمواثيق الدولية، ربما قد ساهمت في هذا (التأخير)، ولعل هناك سببا آخر وهو وجود كنائس وطوائف أخرى أمريكية لا تؤمن بهذه الأفكار المتطرفة  بل وتعتبرها دخيلة على المسيحية، منها على الخصوص بعض الكنائس الكاتوليكية، وحتى بعض الكنائس الإنجيلية مثل الكنيسة المشيخية، فضلا عن جميع الكنائس الشرقية الأرتدوكسية.
وفي سياق شاذ، يأتي ترامب بجرأة لم يسبقه إليها أي رئيس أمريكي، ضاربا عرض الحائط سمفونية السلام المحتشمة التي ظل أسلافه يعزفون عليها، وغير آبه بكل أولائك الكارهين لهذه السياسة المتطرفة. ليعلن أن القدس عاصمة إسرائيل. متحديا بذلك جميع الانتفاضات السابقة واللاحقة، وما سيترتب عن ذلك من أوضاع محرقة.
هل كان لترامب أن يقدم على هذه الخطوة الطائشة الخطيرة، وغير المسبوقة، بكل هذه السهولة، لو لم تكن هناك من ورائها عقيدة قوية راسخة مستمدة من أصول دينية يؤمن بها ترامب كما يؤمن بها جل الأمريكيين؟
إن العالم كله بمختلف الأجناس المتواجدة فيه، مهما اختلفت مللهم ونحلهم، مطالبون اليوم قبل الغد، بتطويق هذه الحركة الدينية المتطرفة العنصرية، التي يقودها ترامب إذا أرادوا فعلا أن يعيشوا في سلام ويحافظوا على السلم ليعم كل أرجاء العالم.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.