Home»Débats»ربما يكون قد فات الأوان

ربما يكون قد فات الأوان

3
Shares
PinterestGoogle+

أحمد الجبلي
عندما كنا صغارا كان الكل يوصينا بوالدينا خيرا، وكبرنا وتزوجنا فصار لنا أبناء فصار الكل يوصينا بأبنائنا خيرا، فضاعت حياتنا ولم يوصي أحد بنا خيرا. هذا لسان كل أب وأم في هذا الزمان.
ما الذي تغير يا ترى حتى تغيرت النصائح والتوجيهات ولم تحافظ على وتيرتها ولا مقصدها الذي كان يعطي الاعتبار للوالدين، كنا إذا التقينا أي أحد من الكبار، سواء كان هذا الكبير جارا أم عما أم خالا أم إمام مسجد أم التاجر صاحب الدكان المجاور أم الجزار…إلا ويبادرك بسؤال: هل تعتني بوالديك؟ ..إياك ثم إياك التفريط فيهما..اجعلهما تاج رأسك..ورأسمالك…فكنا نشعر أن من وراء هذا الإجماع أمرا بالغ الأهمية، ويشبه أن يكون مصيريا في حياتنا، وهذا الأمر هو خوف المجتمع علينا من أن نقع في خطإ يراه هو أنه خطأ لا يغتفر أبدا وهو عدم اعتبار الوالدين وتبوئهما المكانة اللائقة بهما، فلم يكن أحد يسمح إلا بالعناية بهما وطاعتهما والبر بهما وحسن صحبتهما.
إن المجتمع نمّى في قلوبنا هيبة الوالدين، ورسم لهما صورة خاصة كأنهما خط أحمر لا يمكن المساس به أو تخطيه أوتجاوزه. فلم يكن أحدنا يستطيع أن يجلس أمام أبيه وهو يضع رجلا فوق رجل، كما لا يمكن أن يكلمه وفي فمه شيء يلوكه، فبدون شعور تجد نفسك في وضعية أدنى بكثير لأنك أمام جبل أشم وجدار عال لا يمكن تسلقه فتحافظ على حجمك ولكنه حجم يستمد القوة من هذا الجبل الشامخ. فكان الوالد أو الوالدة إذا أمر أحد أبنائه طالبا شيئا ما، ينطلق أخوه سعيا وتلبية حبا ورغبة وتقربا وطاعة. المنافسة في خدمتهما شيء مطلوب. كلامهما قانون جبري لا يناقش، ومع ذلك فالأبناء لا يملكون إلا الطاعة لإيمانهم بما يحمله هذان الأبوان من حب ورحمة ورغبة في أن لا يمس أبناءهم أي مكروه.
وها هو جيلي الذهبي الذي كان البارحة عبارة عن أبناء صار اليوم هو نفسه عبارة عن آباء وأمهات، لقد كنا أبناء صغارا وها نحن أصبحنا آباء وأمهات، ولكن، لازال الحنين يأخذنا ويشدنا شدا إلى تلك الأيام الخوالي، وكأننا نحلم بأن نحضى نحن كذلك بنفس التقدير والاحترام والعناية التي حضي بها آباؤنا وحضيت بها أمهاتنا. وها نحن نحلم ونرجو لو يتعامل معنا أبناؤنا بنفس الطريقة التي تعاملنا بها مع آبائنا، فما الذي تغير يا ترى؟
فرغم الفقر وقلة ذات اليد لم نسمع أحدا منا لام أبويه في شيء، أو قال لهما:  » علاش ولتوني؟ » كان الكل بمجرد أن والديه لازالا على قيد الحياة يشعر بأنه يملك كنزا لا مثيل له في الوجود، وأنعم به من كنز وأكرم، لم يكن أحدنا يشعر بالعيب أو المهانة إذا كان أبواه فقيرين، بل يكفيه أنهما لا يدخران جهدا ولا وسعا، وأنهما لو كانا يملكان ملء الأرض ذهبا لقدماه لأبنائهم، لقد كان الأبناء من جيلي يراعون ظروف الآباء، ولم يكن أحدهم يحظى بلباس إلا مرة في السنة وذلك يوم عيد الفطر، ومن أراد غير ذلك بادر إلى الاشتغال أيام العطل في الأعمال الشاقة حتى يوفر ثمن ملابسه وكتبه، ولا ينسى، بل ولا يمكنه أن ينسى أن يمنح شيئا لأبيه أو أمه، يفعل ذلك وكله سعادة ونشاط حامدا لله وشاكرا له أن أبويه ينعمان بصحة جيدة وعافية، وهذا أقصى الأمنيات وأغلى المبتغيات.
فهاهم آباء اليوم من جيلي يبكون دما، حتى أن أحدهم قال لي: لو كان الانتحار حلالا لانتحرت، وذلك لكثرة الطلبات وتعدد الرغبات التي تفوق حجم الدخل، يرافقها الصراخ والعويل في الوجه وإدخال الأسرة في متاعب خطيرة وبوقاحة لم نعهد مثلها، أما الأم المسكينة فأحيانا كان ابنها يدفعها دفعا حتى تسقط، فتستنكف باكية فتخفي ذلك عن زوجها حتى لا يتفاقم الوضع ويتحول إلى ما لا يحمد عقباه.
أخبرني أحدهم أن ابنته سافرت لوحدها دون علمه، ولا يدري إلى أين وفي أي مكان هي، ولا يستطيع أن ينبس ببنت شفة، فإن تكلم أو غضب أو احتج فإنها ستصاب بنوبة عصبية وتسقط أرضا وتتلوى وتخرج من فمها زبدة الفستق، وهو، بطبيعة الحال، لا يريدها أن تموت. ولهذا السبب تحول إلى ما يشبه الديوت مقابل الحفاظ على حياة فلذة كبده التي لا تقيم له وزنا.
وثالث يشكو من تفكك أسرته والفاعل في ذلك هو وسائل التكنولوجيا الحديثة، حيث أصبح كل واحد يغلق على نفسه في بيته، وكل فرد يتناول وجبة غذائه أو عشائه منفردا، وقد قام بمجهودات جبارة في سبيل إرجاع أسرته يوم كان أطفاله صغارا يملؤون باحة الدار بلعبهم وصراخهم، ويأكلون في وقت واحد على مائدة واحدة وفي أجواء تم فقدانها نهائيا.
يصعب فهم ما يجري لهذا الجيل جيل السراويل الهابطة والمقطعة والمرقعة، جيل يريد العيش بالشكل الذي يريده على هواه وبلا قوانين أو ضوابط، كما يريد أن يحصل على كل شيء وبدون أدنى جهد، ومهما كلف الثمن، جيل الكسل والخمول وقلة الحياء، جيل حتما سيبكي دما حينما يفقد والديه، وحينها سيدرك أن الوحيد الذي يستطيع تحمل حمقه وطيشه هما والداه، ولكن حينها ربما يكون قد فات الأوان.

 

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. من جيلك
    12/10/2017 at 16:03

    السلام عليكم السبب هو كانت للاب مكانته زهيبته والام تساعده أما اليوم الاب يبني والام تهدم بتقليد الافلام والمسبسلات وتحرض الابناء على للاب ماديا ومعنويا فكيف بمكن لهذا الجيل أن يواكب جيلنا حلل زناقش في عصر التقليد الاعمى

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *