Home»Débats»مستقبل المخزن في المغرب

مستقبل المخزن في المغرب

1
Shares
PinterestGoogle+

بقلم د. محمد بالدوان
bouddiouan76@gmail.com

يلتبس الأمر عند المتابعين للشأن السياسي المغربي إثر تَلَقّيهم مصطلح « المخزن »، فمنهم من يفهم منه بأنه النظام السياسي ككل، ومنهم من يعتبره جزءا من النظام. قبل خوض غمار التحليل، وتأطيرا للموضوع، أُلْفِتُ انتباه القارئ إلى التطورات الاخيرة لأستثير سؤالا إشكاليا: كيف يكون المخزن هو النظام السياسي، أو هو الدولة، وحين تواجه الدولة أزمة حادة تنشر الأجهزة الأمنية صورا مخزية تزيد من تعميق الازمة؟ هل يعقل بمن يأتي سلوك التأزيم أن يجنح إلى الاضرار بنفسه؟ ترى هل أراد من تعمد التأزيم استهداف مكونات أخرى للدولة؟
وقد يقول أحدهم بأن الخطاب الملكي لم يميز بين أجنحة في الاجهزة الأمنية، وهذا صحيح، لكن لا يمكن ان نختزل الدولة في الجهاز الأمني، وحتى إن سلَّمنا بذلك، لا يمكن أن يزكي الخطاب الملكي المسؤول عن تسريب ونشر صورة ناصر الزفزافي عاريا؟
لفهم طبيعة المخزن ومبررات وجوده وتواصل أجياله عبر القرون لا مناص من حفر أركيولوجي عميق في الذاكرة التارخية. فما قصة المخزن بالمغرب؟
درجت الدول الاسلامية على تنظيم الجيش بالاعتماد على عناصر خارجية لكون ذلك يجير الجيش من الصراعات القبلية وينزع عنها الشوكة ودوافع التطلع إلى الخلافة. وكان الجيش هو من يدير كل مفاصل الدولة.
كان عبد المالك السعدي من أوائل الخارقين لهذه القاعدة، إذ اعتمد عناصر محلية في تشكيل فرقة عسكرية اطلق عليها اسم « لمخازنية ». وإذا سلمت الدولة السعدية من مشكلات الاضطراب والانقلاب على السلطان، فإن لبنة المخزن تأسست حينها لتشارك في السلطة وتكون لها الصدارة في الحل والعقد، وبقدر ما كان السلطان يحتفي بالمخزن عبر كثرة العطاء، كان يراعي مواقفه واختياراته في تدبير الشأن العام.
أسوق لحظة تاريخ أخرى ويرويها الوزير الاتحادي السابق المرحوم محمد بوزوبع. يحكي عن لقاء له وبعض رفاقه الطلبة بالملك الراحل الحسن الثاني الذي كان حينها وليا للعهد ورئيسا شرفيا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، يذكر أن الحسن الثاني رحمه الله دعاهم إلى مشاركته في الحكم ليتفادى مشاركة الاطراف التقليدية، وكانت ظروف المد السوفياتي مناسبة لتجاوز المخزن المستفيد من الريع في الاقتصاد والمناصب الادارية.
لكن الشباب الشيوعي كان يطمح إلى سلطة كاملة لا وجود فيها للشرعية الدينية والتعددية السياسية. وقد أعلمهم العاهل آنذاك بأنه في حال عدم التفاعل الإيجابي مع عرضه سيأتي يوم يشيخ فيه الشباب ويقتنع بمنطق المشاركة ولكن حينها سيكون من المستحيل تجاوز تحكم النخب المخزنية. وذاك ما وقع بالفعل بعد تنصيب حكومة اليوسفي سنة 1998.
ويمكن الامساك بلحظة أخرى أكثر معاصرة، تعبر عن قوة اختراق المخزن للمؤسسات، وهي التي قال فيها رئيس الحكومة الاسلامي عبد الاله بنكيران قبل إعفائه بأشهر، بأن « المغرب يسيره دولتان الاولى تأخد أوامرها من جلالة الملك والثانية لا ندري ممن تتلقى الاوامر ».
سواء أمسكنا بتلك اللحظة أو بهذه، فإن المخزن كان ولا يزال مساهما في الحكم كوسيط بين الملك والشعب، لكن مع دخول المغرب عصر الحداثة واختياره منذ الاستقلال منهج التعددية السياسية، ستنحسر مساهمته في المشهد السياسي المغربي وسيجنح إلى ابتكار آليات ذكية للحفاظ على نفوذه؛ كتأسيس الاحزاب، أو أحيانا توظيف أحزاب راديكالية في « مشروعه التجديدي »، ومثال ذلك اصطفاف أحزاب مخزنية إلى جانب أحزاب وجماعات راديكالية في اضرابات عامة ضد حكومة بنكيران التي واصلت عملها في ظروف صعبة.
وبعد تشكيل حكومة العثماني في ظروف أصعب، عرف كيف يخلط الاوراق ليستثير الشعب بكل أطيافه في حراك استنزافي طال أمده، لفرملة المسار الاصلاحي الجديد الذي يرى فيه رئيس الدولة ضرورة الاشتغال مع أكبر حزب يخاصم المخزن ومصالحه الحيوية.
استحضارا لقدرة قوى المخزن على خلط الاوراق، يبدو أن المخزن لا زال قويا، خاصة إذا استحضرنا استفادته من التحولات الدولية الجارية، لذلك يتعين على حزب العدالة والتنمية التركيز في قراءة اللحظة، وضبط مفردات الخطاب السياسي الملائم للمرحلة من قبل قياداته وقواعده، فكل خطاب يوحي إلى مناقشة للملك أو مجادلته، سيحوله خصومه إلى منافسة للملك وتطاولٍ عليه.
ولعمري ستكون قاصمة الظهر وتفريطا في التراكم الاصلاحي المنشود إن نجحت قوى المخزن بهذا المسعى، فمما تعنيه مفردة المنافسة تهديد مستقبل الملكية بالمغرب، وهذا لا يستقيم أن يوحي به من يعرف طبيعة النظام الملكي المغربي حتى لو ساق في خطاباته آلاف العبارات مصرحا بتمجيد الملك.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *