Home»Débats»نماذج من الممارسات الإدارية والحزبية المنحرفة التي انتقدها خطاب العرش (الحلقة الثالثة الخاصة بالأحزاب ونقاباتها )

نماذج من الممارسات الإدارية والحزبية المنحرفة التي انتقدها خطاب العرش (الحلقة الثالثة الخاصة بالأحزاب ونقاباتها )

0
Shares
PinterestGoogle+

نماذج من الممارسات الإدارية والحزبية المنحرفة التي انتقدها خطاب العرش (الحلقة الثالثة الخاصة بالأحزاب ونقاباتها )

محمد شركي

تناولت في مقالين سابقين نماذج من ممارسات إدارية منحرفة لدى المسؤولين والموظفين اتفق الشعب والعرش معا على رفضهما وإدانتهما ، وفي هذا المقال سأستعرض نماذج من الممارسات الحزبية والنقابية المنحرفة التي تساهم إلى جانب الممارسات الإدارية المنحرفة في  استفحال الفساد الذي يحول دون تحقيق ما يصبو إليه المغاربة من تطور ونمو ورقي وعيش كريم . وإذا كانت الممارسة الحزبية والنقابية عند الأمم ذات التجارب الديمقراطية المتطورة تلعب دورا في تأطير المواطنين وتوعيتهم سياسيا وخدمتهم وتمثيلهم في المؤسسات البرلمانية والنقابية والدفاع عن مصالحهم وتحقيق تطلعاتهم ، فإن الممارسة الحزبية والنقابية عندنا بعيدة كل البعد عن ذلك لأنها ممارسة منحرفة ، ذلك أن الأحزاب والنقابات عبارة عن تجمعات تستقطب الانتهازيين والوصوليين وتتبنى الانتهازية فلسفة وثقافة . ومما يؤكد ذلك عدد الأحزاب  عندنا التي يبلغ عددها 36 حزبا . فهذا العدد باعتبار ديمغرافية الوطن يعتبر دليلا على تهافت أصحاب الثقافة الانتهازية والوصولية على الممارسة الحزبية . وعندما نقارن عدد الأحزاب عندنا بعدد الأحزاب في بلدان الديمقراطيات المتقدمة لا يسعنا إلا الجزم بتخلفنا في مجال الممارسة الحزبية إذ تكتفي تلك البلدان بحزبين كبيرين يتنافسان  في الانتخابات مع وجود عدد محدود من الأحزاب الصغرى التي قد ترجح كفة أحد الحزبين بينما لا يمكن لحزب مغربي أن يدعي أنه يملك قاعدة شعبية عريضة ، ويكفي أن نستشهد بعدد أصوات الحزب الفائز بأغلبية الأصوات في آخر انتخابات لنحكم على  وضعية باقي الأحزاب التي تلته في الترتيب .. وإذا جمعنا عدد  جميع أصوات الأحزاب المشاركة  في الانتخابات نجد  نسبة عدد أصوات العازفين عن الانخراط في الأحزاب تفوق نسبة المنخرطين  فيها  أو المصوتين عليها ، وهذا يكفي للحكم على تعثر الممارسة الحزبية عندنا . وإذا كانت نشأة الأحزاب في المجتمعات الديمقراطية عبارة عن إرادة شعبية ، فإن نشأة الأحزاب عندنا عبارة عن إرادة نظام ،لهذا توجد عندنا أحزاب توصف بأنها أحزاب النظام أو أحزاب المخزن على حد وصف البعض . ومعلوم أن هذه الأحزاب تخلق خلقا من أجل مواجهة أحزاب أخرى لمنعها من استقطاب المواطنين والهيمنة على الوضع السياسي في البلاد . ومعلوم أن بعض الأحزاب عندنا تستمد مشروعيتها مما تسميه إرثا تاريخيا ،ويتعلق الأمر بالأحزاب التي خاضت نضالا ضد المحتل . ولما تحول نضال تلك الأحزاب من مناهضة الاحتلال إلى معارضة النظام لجأ هذا الأخير إلى خلق أحزاب خاصة به لمواجهتها ولخلق وضع سياسي يحميه من  سطوة تلك الأحزاب . وظلت أحزاب المخزن تفرخ تحت أسماء مختلفة ولكن لها هدف واحد هو مواجهة الأحزاب المعارضة للنظام . ويؤثر وجود أحزاب المخزن على العمليات الانتخابية التي كانت دائما موضوع طعن عند أحزاب المعارضة ،ذلك أن أحزاب المخزن لا تكاد تظهر حتى تكتسح الساحة السياسية وذلك لإعطاء انطباع بأن الشعب لم يعد يثق في أحزاب المعارضة ، وأنه يلتمس بدائل عنها . وتحرص أحزاب المخزن على إضفاء الشرعية  الشعبية على وجودها ، وذلك باعتماد الدعاية الإعلامية . وتطور الأمر بعد  إلى حد  استدراج النظام أحزاب المعارضة  للمشاركة في الحكم  فيما سمي تناوبا لتحل محلها في المعارضة الأحزاب التي أنشاها  لمواجهتها. وظل النظام يصنع الأحزاب وفق ما يطرأ على المجتمع من تغييرات ووفق ما تمليه الظروف الدولية أيضا ، وهكذا ظهر التوجه الحزبي الإسلامي كرد فعل على التوجهات الحزبية اليسارية ، وظهر بعد ذلك توجه حزبي صنع خصيصا لمواجهة التوجه الحزبي الإسلامي ، وكان هذا التوجه  المصنوع عبارة عن خليط من أتباع أحزاب المعارضة وأتباع  أحزاب المخزن . وهنا لا بد من الإشارة إلى ظاهرة انتقال أتباع الأحزاب من حزب إلى آخر، الشيء الذي يؤكد طغيان ثقافة الانتهازية والوصولية حيث ينتقل  أتباع الأحزاب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين والعكس دون شعورهم بأدنى حرج . والانتقال بهذا الشكل يؤكد غياب الإيمان بإيديولوجيات الأحزاب وبرامجها  السياسية  والاقتناع بها ، وتبدو الإيديولوجيا الوحيدة المهيمنة هي الانتهازية والوصولية والطمع في الريع . وما قيل عن الأحزاب ينطبق على نقاباتها حيث أصبح الانتماء النقابي متوقفا على الحصول على المنفعة والريع . ولقد لعبت الأحزاب السياسية على اختلاف أطيافها السياسية دورا كبيرا في إفساد المجتمع لأنها بمثابة مطايا يمتطيها الانتهازيون والوصوليون ذلك أنه قد يكون الموظف من الصنف الذي تحدثنا عنه في الحلقة الثانية من نماذج الممارسات الإدارية المنحرفة  متهاونا ، فيلجأ إلى العمل النقابي والحزبي للتمويه على تهاونه  وتقصيره في أداء واجبه ،وسرعان ما يتحول إلى أخطبوطا ويستفيد من امتياز التفرغ للعمل النقابي، فيصير داعية للتهاون والغش  يدافع عن المتهاونين أمثاله ، وهكذا يكرس العمل النقابي فساد الإدارة . وكم من موظف متهاون تحدثه انتهازيته بالحلم بكرسي في البرلمان  طمعا في الريع والامتيازات، فيركب الانتخابات ، ويستفيد من امتياز التفرغ للعمل البرلماني، وينقل تهاونه من الإدارة إلى قبة البرلمان ، ويدفع في اتجاه الدفاع عن التهاون والغش والفساد . ولما كانت ثقافة الانتهازية والوصولية هي التي تحكم المتهافتين على المناصب النقابية وعلى الكراسي البرلمانية ، فإن الذين يصلون إليها يحتجبون عن المواطنين ولا يظهرون إلا مع حلول الانتخابات ليجربوا حظهم من جديد حرصا على مكتسبات الريع التي راكموها . ومعلوم أن الأحزاب  ونقاباتها عندنا يخون  ويتهم بعضها بعضا، الشيء الذي يجعلها جميعا في قفص الاتهام، لأن هدفها واحد وهو الظفر بالريع ، وهذا ما يفسر ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات  خصوصا في أوساط الشباب . وسيادة ثقافة الانتهازية والوصولية تجعل المسؤولين والموظفين في القطاع العمومي يحاكون الأحزاب والنقابات في  السعي وراء الريع على حساب  المصلحة العامة وعلى حساب الوطن  والمواطنين . وإذا كان الانخراط في العمل الحزبي والنقابي يدر ريعا  على أصحابه،  الشيء الذي يعني فساد الممارسة الحزبية والنقابية ،فإن المسؤولين والموظفين في القطاع العمومي يلتمسون أيضا  حظهم من الريع،  الشيء الذي يعني فساد الإدارة العمومية .

ولا بد في الأخير من الإشارة إلى أن ما تضمنه خطاب العرش من نقد للإدارة العمومية والأحزاب ليس أمرا جديدا بالنسبة للشعب بل  الشعب ينتقد دائما هذين الجهتين، وإنما الجديد هو تصريح العرش بذلك  رسميا ، وهو تصريح يؤيد الشعب في نقده . ويبدو أن الوقت قد حان لحصول تغيير في الممارسة الوظيفية والممارسة الحزبية والنقابية لتمكين قطار التنمية من الانطلاق بعد مرور زمن طويل على جثومه في محطته دون إقلاع ، وهذا يقتضي إرادة صادقة من الجميع . ومعلوم أن النقد مهما كان مصدره لا يكفي لتغيير الأوضاع بل لا بد من الإجراءات الحاسمة الكفيلة بإحداث ما يجب من تغيير منشود .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *