Home»Débats»العيش الكريم مطلب الشعب المغربي قاطبة ولكنه لا يتساهل مع أي تهديد لوحدته الوطنية أو مساس بأمنه واستقراره أو استنقاص من هيبة دولته

العيش الكريم مطلب الشعب المغربي قاطبة ولكنه لا يتساهل مع أي تهديد لوحدته الوطنية أو مساس بأمنه واستقراره أو استنقاص من هيبة دولته

0
Shares
PinterestGoogle+

العيش الكريم مطلب الشعب المغربي قاطبة ولكنه لا يتساهل مع أي تهديد لوحدته الوطنية أو مساس بأمنه واستقراره أو استنقاص من هيبة دولته

محمد شركي

سال مداد كثير بخصوص أحداث الريف ، وشاركت في طرح  ومناقشة هذه القضية أقلام كثيرة منها المحسوب على ما هو أكاديمي ومنها ما هو حزبي ، ومنها ما هو شعبي ، ومنها ما هو فردي أو شخصي . واختلفت الطروحات باختلاف زوايا النظر ووجهاتها وباختلاف حتى المصالح سواء الشخصية أو الحزبية أو الفئوية . والملاحظ أن العديد من هذه الطروحات تحاول أن تخطب ود ما صار يسمى حراك الريف من خلال التلميح أو التصريح بالتعاطف معه . ويبدو عند غالبية المتعاطفين أن تعاطفهم هو في الحقيقة أشكال من التعبير عن النكاية في النظام أو الدولة أو الشماتة بها ،الشيء الذي يعكس حالة الشعور بالإحباط  بسبب ما آلت إليه الانتخابات الأخيرة التي لم تكن نتائجها ولا كيفية التعامل معها في مستوى تطلعات الشعب ، ذلك أن البعض يرى أن قاعدة عريضة من الشعب لم تقبل على الانتخابات كتعبير عن فقدان الثقة في اللعبة الديمقراطية التي صارت فاقدة للمصداقية بالنسبة إليها ، بينما سادت قناعة لدى الجميع بعبثية الانتخابات التي أفضت إلى تشكيلة حكومية مثيرة للاستغراب وللسخرية  في نفس الوقت أيضا ،وتأكد للجميع أن طريقة تشكيل هذه الحكومة مخالفة لما درجت عليه الدول العريقة في الديمقراطية . ولقد نشأ الترويج لفكرة ضعف الدولة انطلاقا من طريقة تشكيل الحكومة . ولا أحد لحد الساعة تحدث عن دور طريقة تشكيل الحكومة الحالية في ما يحدث في الوطن سواء تعلق الأمر بالريف أم بغيره . ومعلوم أن الحكومة السابقة  وهي حكومة  محسوبة على حزب محسوب بدوره على التوجه الإسلامي، كانت مستهدفة من طرف خصومها السياسيين بعدما حاز هذا الحزب ثقة الشعب في ظرف حراك الربيع العربي . ولم يكن الشعب المغربي وحده من راهن على حزب محسوب على التوجه الإسلامي بل كانت شعوب عربية أخرى كذلك، لأن هذه الشعوب كانت قد فقدت الثقة في التوجهات السياسية والايديولوجية الأخرى، ولم يبق لها سوى الرهان على توجهات  سياسية إسلامية عسى أن يحقق ذلك ما تتطلع إليه  إلا أن الثورات المضادة المحسوبة على الأنظمة المنهارة بسبب ثورات الربيع العربي سارعت إلى الالتفاف على رهان الشعوب العربية ، وانطلقت حملات التشكيك في الأحزاب ذات التوجه الإسلامي داخليا بإيعاز مكشوف من جهات خارجية لها حساسية ضد ما سمته بالإسلام السياسي ، ولقد تبين أن المقصود بالإسلام السياسي ليس سوى تلك الأحزاب ذات التوجه الإسلامي التي أبدت الشعوب العربية رغبة في الرهان عليها . ولقد اتضح جليا كيف تم الالتفاف على نتائج الانتخابات التي أفضت إلى وصول تلك الأحزاب إلى مصادر صنع القرار ، ولم ينج منها حزب واحد ،فمنها من تمت مواجهته بالانقلاب العسكري ، ومنها من تمت مواجهته بالانقلاب الانتخابي ، ومنها من لم يمكّن من المشاركة في اللعبة الانتخابية أصلا عن طريق  تعمد  إشعال  قوى خارجية  الفوضى والصراع الطائفي الدموي بالاعتماد على النسخ الجديدة للأنظمة المنهارة التي ولدتها الثورات المضادة إلى جانب أنظمة لم تنهار وسارعت إلى تأييد الانقلابات على الأحزاب ذات التوجه الإسلامي مخافة أن يلحقها الانهيار هي الأخرى ، وما كانت  القوى الخارجية لتسمح بانهيارها بسبب وجودها في مناطق الثروات النفطية حرصا على ما تسميه مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي . هذا هو الجو العام المخيم على الوضع في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه . وفي هذا الوضع نشأ ما سمي حراك الريف ، وهو حراك ظاهره المطالبة بالعيش الكريم من خلال توفير أسبابه من شغل وتطبيب وتنمية …إلخ ، وباطنه أمر آخر  دلت عليه مؤشرات تستهدف وحدة الوطن من خلال رفع أعلام لا يمكن أن يجادل إلا مكابر أو معاند في  دلالتها  الطائفية والانفصالية  .

ولقد أحاط أصحاب هذا الحراك أنفسهم بهالة من التقديس والطهر مقابل اتهام من لا يسايرهم في توجههم بالخيانة والعمالة  ، وهي خيانة  باتت تعكسها تسمية  » العياشة  » التي تطلق استخفافا على كل من لا يتفق مع باطن حراك الريف  المشبوه. ومن المؤكد أن الشعب المغربي قاطبة يجمع على المطالبة بالعيش الكريم ليس في جهة دون أخرى من هذا الوطن بل في كل جهة منه ،علما بأنه توجد جهات في هذا الوطن أسوأ حالا من الريف بشكل كبير ، ولا يعني عدم اندلاع حراك كحراك الريف بهذه الجهات أن أصحابها تعوزهم الشجاعة أو أنهم « عياشة » بل هم أكثر تعقلا واتزانا وشجاعة من أصحاب الحراك لأنهم يدركون دقة الظرف الذي يمر به الوطن والذي يتربص به الأعداء لزعزعة استقراره وأمنه خصوصا وأنه نجا من وباء الصراع الطائفي الدامي . والأكياس العقلاء في هذا الوطن يقدرون دقة الظرف، ويجيدون الحساب  الدقيق حين يحرصون على الأمن والاستقرار أولا قبل الحرص على غيره من المطالب لأنه بدونهما ينهار كل شيء . وإذا كان غيرهم يراهن على الحراك بل يراهن على أكثر من ذلك  من الفوضى وزعزعة الاستقرار ، فإنهم يراهنون على الأمن والاستقرار أولا وآخر . ولا يمكن للأكياس العقلاء من الذين يتهمون بأنهم « عياشة  » القبول بأي مساس بوحدة الوطن واستقراره وأمنه أو الاستنقاص من هيبة دولته التي صارت مستهدفة بشكل مكشوف . وإن ما يسميه أصحاب حراك الريف عسكرة هو جزء من هيبة الدولة التي إن زالت انهارت الدولة ، وبانهيار الدولة ينهار الشعب .  ومعلوم أن العسكر في كل دولة هو قوام هيبتها ولا يمكن التشكيك  فيه  والاستنقاص من شأنه. وإن أقوى الدول في العالم لا تقتصر عسكرتها داخل بلدانها بل تتجاوز ذلك إلى خارج حدودها حرصا على هيبتها . ولا يمكن بحال من الأحوال تحويل ما يجري في الريف إلى صراع بين الشعب وقوات حفظ الأمن . إن قوات حفظ الأمن تتصرف انطلاقا من منطق دولة القانون ، ولا يمكن اعتبار وظيفتها نقضا للقانون، علما بأن القانون يدخل ضمن هيبة الدولة التي هي من هيبة الشعب . ولا أحد من أفراد الشعب يشكك في مطالب أهل الريف وقد أكدت أعلى سلطة في البلاد أن مشروع تنمية الريف تم العبث به، وأنه موضوع مساءلة ومحاسبة ومتابعة للمسؤولين عن العبث به .

وكان على من ينعتون أنفسهم بمتزعمي الحراك أن يحتكموا إلى القانون وأن يرفعوا قضيتهم إلى القضاء  شريطة تمكين هذا القضاء من الاستقلالية على غرار قضاء الدول الديمقراطية . وفوز الحراك يجب أن يكون قضائيا ولا يمكن أن يتحقق عن طريق الاحتكاك  اليومي بقوات حفظ الأمن لتأجيج الصراع المفضي إلى انفلات الأمن وتهديد الاستقرار، وهو ما تريده جهات مغرضة قد باتت مكشوفة داخليا وخارجيا . ولم يتقدم لحد الساعة متزعمو الحراك إلى القضاء بشكايات ،ولم يرفعوا دعوات ضد المسؤولين عن تردي الأوضاع في جهة الريف ، و ضد المسؤولين عن  العبث ببرنامج تنمية هذه الجهة  التي راج الحديث عنه مؤخرا . وفي اعتقادي أن قضية الريف يجب أن تعالج وطنيا ،وذلك بإقدام  عاهل البلاد على حل البرلمان والحكومة وإجراء انتخابات جديدة  مهما كانت كلفتها المادية  شريطة أن تكون نزيهة، وليس وراءها حكومة ظل أو حكومة كواليس أو أصحاب نفوذ ، وتفضي إلى تمثيلية برلمانية حقيقية وحكومة قوية ذات مصداقية ،وتكون مسؤولة عن برامج تنمية كل جهات الوطن على قدم المساواة . وفي المقابل يتعين على الشعب الانخراط الحقيقي في هذه العملية بوعي ومسؤولية ووطنية عوض الدفع في اتجاه التطبيع مع الفوضى المهددة للاستقرار والأمن والمكرسة للفرقة وتشتيت الصف . وعلى الذين دأبوا على تأجيج الفوضى تحت شعار الحراك  أن يتقوا الله  في سلامة وأمن واستقرار الوطن احتراما لإرادة الشعب . وعلى الذين يشتكون من مواجهة قوات حفظ الأمن لهم أن يتقوا الله في أبناء الشعب من أفراد هذه القوات الذين رابطوا خلال شهور بما في ذلك شهر الصيام وفي عز حر الصيف بعيدا عن أسرهم  في العراء ، في حين يأوي أصحاب الحراك إلى بيوتهم بعد النيل من كرامة أبناء الشعب من قوات الأمن شتما وتجريحا وتخوينا وتعنيفا . وعلى الدولة أن تتابع كل الأحزاب الذين يدعون أنهم يمثلون ساكنة الريف، وتتابع البرلمانيين الممثلين لها لغيابهم  ولتقصيرهم في واجب تمثيل الساكنة التي لجأت إلى استبدالهم بمن لا يسمح لهم القانون بتمثيلها والتحدث باسمها . وإذا كانت ساكنة الريف قد صوتت على أحزاب وبرلمانيين، فعليها أن تتابعهم قضائيا على تقصيرهم في تمثيلها عوض صب جام غضبها على عناصر حفظ الأمن وتطبيق القانون . ولا يعقل أن تغازل  الأحزاب و لا البرلمانيون  ساكنة الريف ومتزعمي الحراك وتخطب ودهم على حساب عناصر حفظ الأمن وعلى حساب هيبة الدولة التي يراد تمريغ أنفها في التراب . وأخيرا لا بد من فتح تحقيق صارم في دور مافيا المخدرات  في تأجيج الفوضى في منطقة الريف ، وهي مافيا لها مصالح في ذلك لتزداد نفوذا وطغيانا . ولا بد من استئصال زراعة القنب نهائيا  في هذه المنطقة لقطع السبيل قطعا مبرما على مافيا المخدرات ، وتعويض تلك الزراعة الممنوعة قانونا والمحرمة شرعا بغطاء نباتي قانوني وشرعي يعود بالنفع على المنطقة ، ويساهم في دفع عجلة التنمية دفعا حثيثا . ولا شك أن أصحاب المصالح والنوايا المبيتة لا يرغبون في إنهاء حراك الريف ، ولا يدفعون في اتجاه التهدئة التي هي مطلب الشعب المغربي  برمته والذي لا يمكن أن يقدح فيه بوصف  » العياشة  » فهو لن يتساهل مع كل طرف مهما كان يستهدف وحدة وطنه واستقراره وأمنه . ولن يتساهل مع كل من يعوق تنمية جميع جهات الوطن ، ولن يتساهل مع كل من يتحمل مسؤولية عرقلة التنمية والحيلولة دون تحقيق عيشه الكريم .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *