Home»Débats»VIDEO في البدء كانت ثانوية عمر بن عبد العزيز

VIDEO في البدء كانت ثانوية عمر بن عبد العزيز

0
Shares
PinterestGoogle+

عبد السلام المساوي
هنا ثانوية عمر بن عبد العزيز…فطوبى للداخلين…هنا التاريخ والمستقبل…هنا الجودة والتميز… الألق والامتياز…الإرادة والتفوق…التحدي والرهان، تحدي الكسل والجمود، تحدي الجهل والظلام تحدي الانحطاط والتخلف… والرهان على الاجتهاد والنجاح، العلم والنور، النهوض والتنمية… هنا معبد الفكر والتربية، فأهلا بتلميذاتنا وتلاميذنا، أهلا بنخبة التعليم والتكوين… كفاءات واعدة وطاقات فاعلة… هم أبناء وبنات عمر بن عبد العزيز، عانقوا رفعة الأخلاق والآداب والعلوم….
في البدء كانت الكلمة، كلمة « اقرأ »، « اقرأ باسم ربك… » وفي البدء كانت مؤسسة عمر بن عبد العزيز، أول ثانوية بالمغرب… كانت الأولى على مستوى التأسيس وبقيت الأولى على مستوى الإنتاج… « أول ثانوية بالمغرب »… حدث تاريخي بامتياز تربوي ومعرفي.. وهو حدث يستحق قراءة تأملية عميقة ودراسة تاريخية دقيقة… حدث يستحق تسجيله بمداد الاعتراف والعرفان، التمجيد والتعظيم… إنه الحدث الطفرة الذي أعلن ميلاد المؤسسات التعليمية الثانوية بالمغرب.. ميلاد أسس لمغرب جديد معرفيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا.. مغرب الأطر والكفاءات الوطنية المواطنة، الكفاءات المنخرطة في البناء والتنمية عبر التحرر من التبعية بكل أشكالها وتلاوينها…
وبحلول سنة 2015، تحل الذكرى المئوية لتأسيس أول ثانوية بالمغرب، التي استقبلت التلاميذ لأول مرة في 1 شتنبر 1915 وهي تحمل اسم « ثانوية الفتيان » (Lycée des garçons)، قبل أن يتحول اسمها بمناسبة افتتاح الموسم الدراسي 1960/1959 إلى « عمر بن عبد العزيز » وتصبح ثانوية مختلطة للبنين والبنات…
1915-2015 مائة عام من العطاء والتفوق… تاريخ الأنوار والمعارف.. تاريخ تحطيم الأصنام وتكسير الأوثان.. القطع مع خسة الجهل ومعانقة رفعة العلم… لا يدخل هنا إلا من هو عازم على التفوق… هذا هو شعار ثانوية عمر، في الماضي والحاضر والمستقبل..
إنها مؤسسة النخب المغاربية والفرنسية بامتياز، حيث تلقى مئات الأوربيين تكوينهم الأكاديمي… وبتفوقهم استطاع المغاربة ولوج هذه المؤسسة التي كانت حكرا على الأوربيين والجزائريين باعتبارهم فرنسيين.. لتصبح هذه المؤسسة رمزا للإشعاع والانفتاح، الاختلاف والتنوع… وتجسد قيم الاعتراف والتسامح… « عمر بن عبد العزيز » معلمة أكاديمية، وهرم معماري وتحفة حضارية… محطة أساسية في حياة أسماء وازنة، في السياسة والاقتصاد، في العلم والتكنولوجيا، في التسيير والتدبير، في مراكز القرار والمسؤولية… من هنا تخرج العديد من الأطر المغربية والأجنبية، المستشاران الملكيان الراحلان مزيان بلفقيه وعلال سي ناصر، الوزير الأسبق احمد عصمان، وزراء سابقون، محمد لمباركي، نجيمة طايطاي وموسى السعدي… الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الوزيران الجزائريان حميد التراب وشكيب خليل… الوزير الفرنسي كريستيان نوتشي، درس واشتغل مدرسا بثانوية عمر قبل أن يشغل منصب وزير منتدب لدى وزير العلاقات الخارجية مكلفا بالتعاون والتنمية سنة 1982…
ثانوية، هي أيضا محطة أساسية بالنسبة لأطر مقتدرة في مجالات مختلفة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، البروفيسور بنميمون الذي ألحق بالطاقم الطبي في محيط المرحوم الحسن الثاني… ديل باي، مدير القطب الإفريقي بشركة فرانس تيليكوم… المسيو بايي مدير مؤسسة البريد بفرنسا… كريستيان دو طوا المدير السابق لقناة « تي في 1″…
آلاف الأطر العليا، مغربية، جزائرية وفرنسية… ثانوية عمر كان لها ومازال إشعاع عالمي… إنها تستحق أن يحتفى بها محليا وجهويا، وطنيا ومغاربيا، أوربيا وعالميا… ملتقى الأجناس والجنسيات، الأديان والثقافات..
لقد لعبت مؤسسة عمر بن عبد العزيز أدوارا هامة ومتعددة، منذ تأسيسها إلى اليوم، إذ زرعت قيم التعايش والتسامح بين الأديان وسط أساتذة وتلاميذ المؤسسة بمختلف جنسياتهم وأعمارهم، كما شاركت بشكل فعال في مقاومة الاستعمار واستقلال البلاد، وساهمت ومازالت في بناء مغرب جديد، مغرب قوي، ديموقراطي وحداثي… من هنا كان تخليد الذكرى المئوية لهذه الثانوية حدثا بارزا ومتميزا، من حيث البعد الثقافي والإنساني لهذه الذكرى… ولهذا ارتأت اللجنة المنظمة للذكرى المئوية لتأسيس ثانوية عمر إعطاء الانطلاقة للاحتفالات الرسمية التي تخلد هذه الذكرى يوم الأربعاء 18 مارس، الذي يصادف ذكرى الخطاب الملكي السامي التاريخي الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بمدينة وجدة في إطار الزيارة الملكية التاريخية للجهة الشرقية في مارس 2003. هذه الزيارة التي شكلت تحولا تاريخيا بالنسبة لشرق المغرب، وقد تكونت اليوم قناعة لدى كل القوى الحية بهذه المنطقة أنه يمكن الحديث عن مرحلة ما قبل الزيارة الملكية والخطاب التاريخي، والمرحلة الموالية التي تعتبر محطة ذهبية في  تاريخ هذه المنطقة الحافلة بالعطاء. لقد كان الخطاب الملكي نقطة تحول أساسية في مسار الجهة الشرقية عموما ومدينة وجدة على الخصوص، لأنه سطر خارطة طريق وبرنامج عمل للتنمية الشاملة لهذه الربوع. وبالفعل أصبحت الجهة تعرف دينامية حقيقية ونهضة تنموية بكل أبعادها.
إن اختيار 18 مارس لإعطاء الانطلاقة للاحتفال بذكرى تأسيس ثانوية عمر، اختيار له دلالات عميقة وأبعاد رمزية، فإذا كان الخطاب الملكي أعلن ميلاد الجهة الشرقية من جديد، وأعلن نهوضها وانخراطها في المسار التنموي وقطعها مع الجمود والتهميش، فإن تأسيس ثانوية عمر بن عبد العزيز أعلن ميلاد إنسان جديد، إنسان العلم والمعرفة، إنسان الحب والتسامح…هذه المؤسسة التي أطفأت شمعتها 100، ليست مجرد ثانوية قامت بإعداد أجيال من الكوادر المؤهلة، علميا وعمليا، لتقلد المسؤوليات الكبرى والمساهمة في تنمية البلاد، أو مجرد نصب تذكاري حضاري ثقافي، بل هي نواة لعملية العلم والعمل، وذاكرة عظيمة للنجاح والإبداع.
صباح يوم الأربعاء 18 مارس 2015، أشرف والي الجهة الشرقية عامل عمالة وجدة أنجاد على إعطاء الانطلاقة للاحتفالات الرسمية التي تخلد الذكرى المئوية لتأسيس ثانوية عمر بن عبد العزيز، بحضور رئيس المجلس العلمي العلامة سي مصطفى بنحمزة، مدير أكاديمية الجهة الشرقية، النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بوجدة أنجاد، وبحضور السلطات المحلية والممثلين المنتخبين والمديرين ورؤساء الخدمات الخارجية… قدماء الثانوية… أطر وتلاميذ الثانوية… فاعلين اقتصاديين وفعاليات مدنية…
انطلق الحفل بتحية العلم وعزف النشيد الوطني ليفسح المجال لتلميذات وتلاميذ الثانوية الذين قدموا أنشطة متنوعة، فجروا فيها طاقاتهم الإبداعية… وكان هذا الحفل مناسبة لزيارة متحف العلوم وتدشين المقر الجديد للأقسام التحضيرية.
وفي المساء، وفي مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، كان الموعد مع حفل نظم على شرف التلاميذ السابقين، قدماء ثانوية عمر، نشطه التلاميذ الحاليون بالمؤسسة.. إنه الماضي الذي يمتد في الحاضر رسالة جيل لجيل…
الحفل كان عظيما وجميلا، عظيما من حيث المشاركين كما ونوعا، عظيما من حيث الحدث التاريخي والاستثنائي، عظيما من حيث تنوع الأنشطة التي تروم تفجير الطاقات الإبداعية التي يزخر بها تلاميذ وتلميذات مؤسسة عمر بن عبد العزيز العتيدة، عظيما من حيث التنظيم الجدي والمسؤول ومن حيث الأهداف المنشودة… وكان جميلا من حيث الفضاء الذي احتضنه، فضاء الثانوية، فضاء أنيق وجذاب، وجميلا من حيث أن المشاركين والفاعلين هم تلميذات وتلاميذ، شباب بالكاد يغادر مرحلة الطفولة، شباب في عمر الزهور، شباب جميل أحيى الحفل لمعانقة القيم الجميلة، قيم الحب والتواصل والحوار، قيم التسامح والانفتاح والتآخي، قيم الخلق والتجديد والإبداع… شباب جميل يعشق الحياة… شباب اختار معانقة الأمل والمستقبل لذا قرر الانتماء إلى هذه المعلمة التاريخية، حيث شروط التعليم والتكوين، التربية والتثقيف، الامتياز والتفوق… متوفرة وبجميع المقاييس العلمية والتربوية والإدارية… تلميذات وتلاميذ نشطوا الحفل، للانتفاضة على الرداءة واليأس، لتبديد الظلام وإشاعة النور.. إنهم ورود متفتحة ومنفتحة، إنهم الحاضر والمستقبل، إنهم الحياة… بنات وأبناء عمر بن عبد العزيز جاءوا ليقولوا لا لليأس، لا للعنف… جاءوا ليعلنوا انخراطهم في إنجاح بناء المغرب بلدا قويا وناميا، حداثيا ومتضامنا… ولا خوف على مغرب الكفاءات، فالتاريخ يشهد أن ثانوية عمر بن عبد العزيز ينبوع التميز والتفوق، بالأمس واليوم وغدا.
تلاميذ وتلميذات ثانوية عمر احتفلوا بتخليد الذكرى… عبروا بالصوت والصورة، بالجسد والروح… بالموسيقى والكلمة… بجميع اللغات قالوا « نحب ثانوية عمر بن عبد العزيز… نحب المغرب ».
وبمناسبة تخليد الذكرى المئوية لتأسيس ثانوية عمر بن عبد العزيز، تم تأسيس نادي فن وطبيعة، بفضل كل من الحسن ماني والأستاذات غوالم جميلة، مرزاق سعاد، والرحماني جميلة… وصباح يوم الجمعة الذي يصادف اليوم العالمي للأرض، واحتفاء بفصل الربيع، كان الاحتفال بنكهة مختلفة، جميلة ومبدعة، حيث انخرطت الأستاذات في تفاءل مع تلميذات وتلاميذ الثانوية في عرض طبيعي بامتياز فني.. اللحظة، هي لحظة الإبداع الفني والتعبير الجمالي… انسجام إنساني بديع، وتعاطف وجداني رفيع كسر رتابة القسم، قواعد الدرس وضغوطات المقرر… ارتفعت الحواجز التي تفصل بين الأستاذ والتلميذ… وتغنى الجميع بفصل الربيع، رمز الحب والجمال… أنشطة فنية متنوعة عرفها فضاء ثانوية عمر، تجميل المكان، رسم، غرس الورود والأزهار… مائة زهرة بمناسبة مائة عام… الجمال يتكلم لغة ثانوية عمر بن عبد العزيز.
وفي مساء نفس اليوم، كان الموعد مع حفل متنوع الفقرات، مع حفل بأبعاد تربوية وفنية، كان الموعد مع حفل فجر فيه تلميذات وتلاميذ ثانوية عمر بن عبد العزيز طموحاتهم الفكرية والإبداعية… الشعر، الغناء، الرقص، المسرح، لغة العقل والجسد… عناوين هذا الحفل الذي سهرت على تحضيره الأستاذة برنيشي نزهة والأستاذة عبد القاوي أمينة، أستاذة أتاها التقاعد فلم يجدها متقاعدة، تقاعدت مهنيا وبقي ارتباطها الوجداني بثانوية عمر بن عبد العزيز مستمرا…
تعتبر ثانوية عمر بن عبد العزيز مؤسسة رائدة في مجال العلم والتعلم، إذ تستقطب نخبة تلاميذ وتلميذات الجهة الشرقية، إذ كانت المؤسسة الوحيدة التي تضم شعبة العلوم الرياضية وذلك لعدة عقود، كما كانت السباقة إلى فتح الأقسام التحضيرية الخاصة بالمدارس العليا للمهندسين منذ الموسم الدراسي 1995/1994.
وخلال حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانت الثانوية تستقبل تلاميذ التعليم المغربي بشقيه العلمي والتقني وتلاميذ البعثة الفرنسية. وبعد ذلك استقل الجناح التقني في إطار مؤسسة منفصلة تحمل اليوم اسم ثانوية « المهدي بن بركة ».
واليوم، يدرس بالثانوية أكثر من 1300 تلميذ وتلميذة، ربعهم بالأقسام التحضيرية، يؤطرهم 90 أستاذا وأستاذة و30 إداريا وتقنيا…
ونسجل بأن تلميذات وتلاميذ ثانوية عمر بن عبد العزيز يمثلون مختلف الفئات الاجتماعية والانتماءات الطبقية… وتعتبر المؤسسة كل تلميذ مساويا لغيره، من حيث امتلاكه لصفة المواطنة ولحقوقها… التلاميذ والتلميذات في ثانوية عمر بن عبد العزيز لا يختلفون ولا يتمايزون من حيث طبيعتهم أو كينونتهم الإنسانية، أو من حيث انتماءهم الاجتماعي وإمكاناتهم المادية، بل من حيث كفاءاتهم العلمية ونتائجهم الدراسية… فهي تحقق تساوي الشروط، وتعتبر المساواة على مستوى التفوق خارج اختصاصاتها. إن الواقع يكذب إشاعات وادعاءات البعض، والتي تزعم أن ثانوية عمر مؤسسة التمايز والامتياز الاجتماعي، باعتبار أنها تستقطب فقط أبناء وبنات الأعيان، وهذا وهم يروم التغليط… ووثائق الثانوية وسجلاتها تكذب بالملموس وبالأرقام كل ادعاء خاطئ.. إن ثانوية عمر ثانوية النخبة العلمية المتفوقة معرفيا، وليست مؤسسة النخبة الاجتماعية المتفوقة طبقيا..
لا ننكر أن ثانوية عمر بن عبد العزيز تعتبر مركز جذب واستقطاب، كل الآباء والأمهات يرغبون في تسجيل أولادهم وبناتهم بثانوية عمر لاعتبارات تعدهما غيرها من المؤسسات… طبعا، يستحيل استقبال الجميع، فالإكراهات تواجه الرغبات… وهناك من يصر، يدق  أبواب مختلفة لتحقيق هدفه… وهذا يتسبب في مشاكل إدارية وتربوية، ثانوية عمر في غنى عنها.. وإذا كان هناك من يرى بأن طريق التعليم الجيد والتكوين الهادف يمر عبر ثانوية عمر، فنحن نعتبر أن الحل هو تعميم تجربة عمر على كل مؤسسات وجدة بل كل مؤسسات المغرب.
ما أنجزته ينشدها كل يوم ويذكرها، بل ويغنيها ويتصاعد في تناغم مع سمفونية علم ومعرفة اسمها ثانوية عمر بن عبد العزيز، هي أصلا في مبناها ومعناها، تشكلت ضد الجهل والتخلف، ضد الجمود والرتابة.. التفوق هو الفيصل بين ثانوية عمر وغيرها من الثانويات.. وهذا التفوق أهلها، وعن جدارة واستحقاق، لحصد العديد من الجوائز الوطنية والشواهد التقديرية المهمة، كالشهادة المرجعية في تخصيص وتوزيع الموارد…
وأنت تمر بثانوية عمر، تشعر بهيبة المكان الممتد في الزمان.. تتنفس عبق التاريخ.. هنا أشرقت شمس وجدة معلنة ميلاد الأمل وانتصار الإنسان.. مؤسسة عمر ليست ثانوية عادية، ليست ككل الثانويات، وما ينبغي أن تكون.. إنها استثناء.. استثناء في الخلق والإبداع إنها عنوان وجدة.. من هنا كانت البداية لتأسيس مغرب جديد، مغرب العقل والحداثة.
وأول ما يثير انتباهك، وأنت تدخل هذه المعلمة التاريخية، جمالية الفضاء الذي استقبلك واحتضنك… نظافة تفتقدها أغلب المؤسسات التعليمية ببلادنا.. عشب أخضر وأشجار واقفة.. أزهار وورود… جمال المكان والإنسان.. ويسجل كل زائر لثانوية عمر بن عبد العزيز، في أوقات العمل، الهدوء التام الذي يسكن المكان… ساحة المؤسسة خالية من المتعلمات والمتعلمين، فيعتقد الزائر أن اليوم عطلة… ولكن سرعان ما يتحطم الاعتقاد، عندما ينتبه إلى أن التلميذات والتلاميذ في أقسامهم منخرطين في العمل بكل جدية ومسؤولية… ثانوية عمر ترفض الفوضى والتسيب.. فللمكان حرمته وقدسيته.. قواعد الاشتغال تحترم بصرامة… للتفوق والتميز شروط يجب توفيرها.. وهي متوفرة فعلا في ثانوية عمر بن عبد العزيز.
يوم كل اثنين، وقبل انطلاق حصص الصباح، يقف تلميذات وتلاميذ ثانوية عمر بنظام وانتظام، يقفون محاطين بأستاذات وأساتذة الثانوية وكل الأطر الإدارية، يقفون تحية للعلم الوطني، ويقفون ليغردوا النشيد الوطني بوعي الوطنية وحس المواطنة.. يرددون النشيد بالروح والجسد، بحماسة تنم عن إيمان صادق بالانتماء للوطن.. يقفون وأمامهم المايسترو؟ المدير الحسن ماني.. ينشد معهم في لحظة تنم عن تناغم إنساني رفيع… لعل من عناصر ثانوية عمر، ذلك الانسجام التربوي والإنساني الذي يربط بين كل مكونات المؤسسة، تلميذ- أستاذ- إدارة… الكل يروم النجاح، والكل منخرط في تحضير سبل التفوق والتميز… ثانوية عمر ترفض الرداءة.
نعم إن الأشخاص يمرون، لكن بصماتهم تبقى، نعم إن الأشخاص يعبرون، لكن المؤسسات تبقى قائمة تراكم معطيات سيرورتها الخاصة، نعم إن العمر لا يتسع لامرئ كي يحقق كل متمنياته، لكنه يمكن أن يسعد قليلا بما تحقق له منها. نعم إن فترة المسؤولية على رأس أي مؤسسة عمومية لا يتسع بالقدر الكافي لشخص ما كي يستكمل نموذجه المثالي، لكنه يمكن أن يطمئن على منجزه حين يصيب بعدوى أفكاره أناسا آخرين… إن الأفكار مثل الأشجار تماما، تغرس وتعطي ثمارها بعد حين.. فلا أحد –الآن وغدا- يمكن أن يجادل في أن مديرا اسمه الحسن ماني قد أعاد لمؤسسة عمر بن عبد العزيز ألقها وتميزها، وصالحها مع تاريخها العريق، وأقام لها صرح إدارة تربوية بمواصفات حديثة، متجاوبة مع طموح التلميذات والتلاميذ، مع جدية الفاعلين التربويين، أستاذات وأساتذة المؤسسة، ومتناغمة مع المجتمع بكل مكوناته.
تقوم فلسفة الحسن ماني في الأداء الإداري على مبدأ « الانتماء »، فهو مشبع بهذا المبدأ ويرى أن الشعور بالانتماء هو مكمن الإحساس بالمسؤولية ومحرك المردودية وحافز الغيرة على المؤسسة وبطارية المبادرة والتفاني في القيام بالمهام المطلوبة، بل إنه يعتقد واثقا أن الانتماء الحقيقي للوطن يبدأ من الانتماء الصادق للمؤسسة التي تمثل حقل خدمة الوطن. لا يفوت ماني فرصة لتمرير هذا المبدأ إلى بنات وأبناء ثانوية عمر بن عبد العزيز التأهيلية، ويتجسد هذا المبدأ عند التلميذات والتلاميذ عبر انخراطهم القوي في توفير شروط النظافة التي أهلت هذه المعلمة التربوية لتعانق الجمال وتقطع مع الرداءة، ويتجسد أيضا في الانسجام الفكري والتعاطف الوجداني الذي يسم العلاقات التربوية والإدارية والإنسانية داخل المؤسسة.
لا نقول بأن الحسن ماني يحترم أوقات عمله، فهو دائم الحضور.. الحضور الفعال في كل أمكنة المؤسسة وفي زمان واحد… إنه حركة تفكر وفكر يتحرك.. رجل المبادرات الشجاعة.. مستعد ليتنازل عن كل شيء إلا الانتماء الذي يطبعه « الانتماء إلى ثانوية عمر »  إنه كالنهر يعود إلى نبعه والماء إلى مصبه الطبيعي.
إن الزمان الفارغ يعدي الناس بفراغه… وحين يكون الجهد حاضرا والمبادرة قائمة، يكون الوعي متحركا.. وعي بأن الإدارة مسؤولية… ولكن حيث توجد الإرادة ويكون الطموح.. تكون الطريق المؤدية إلى النتائج المتوخاة… ويقول الحسن ماني: لا تهمني الحفر ولا أعيرها أي انتباه… حرصه الشديد على الأمانة أكسبه ثقة أعيان وجدة الشرفاء الذين لا يبخلون عليه بدعم، إنهم سنده في البناء، بناء الإنسان… إن الأمم التي راهنت على التنمية بدأت بالاستثمار في العنصر البشري… وفي هذا الإطار نشير إلى بعض الشراكات الهامة التي تجمع ثانوية عمر بمؤسسات قدمت الكثير لهذه الثانوية وأبنائها وبناتها، وكالة تنمية الأقاليم الشرقية، وكالة تنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، وكالة التنمية الاجتماعية، مؤسسة ثانوية عمر بن عبد العزيز، المجلس العلمي، فاعلون اقتصاديون ومحسنون… كل من له غيرة على العلم والمعرفة، غيرة على وجدة وعلى المغرب… وهؤلاء ما كان لهم أن يدعموا لو لم يلاحظوا نتائج دعمهم تتجسد في الميدان، إنهم عاينوا الصدق والإخلاص في الواقع الذي لا يرتفع.
حين يعلوه الشك، يتساءل الحسن ماني ماذا لو تركت المجال؟ ثم يصحو من رماد القرار.. ها أنذا باقي صامد متحدي.. اطمئن يا رجل، فالتلاميذ يكنون لك الحب الصافي الصريح…
من نافلة القول التأكيد على أنني حين أتحدث عن الحسن ماني المدير، فإنني لا أقصد الشخص الفرد، بل أقصد مدير المؤسسة… إن ما أنجزه وينجزه ما كان ليتحقق ويعطي نتائج باهرة لو لم يكن مدعوما ومسنودا من طرف أطر المؤسسة، نساء ورجال يشتغلون إلى جانبه بنفس الروح والمسؤولية، والكل يروم النجاح…
والرجل الذي يستحق منا ألف التفاتة وألف تحية وألف احترام وألف تقدير.. هو الناظر الذي لا نظير له.. هو عبد الله حموش الذي أنسل منسحبا من الأضواء إلى التمدد في محبتنا له، ذلك الرجل، هو من ملأ حياته عملا وجدية، بلا دوي، بالوقوف هادئا في مواجهة الصخب… قد يكون الماضي حلوا، إنما المستقبل أحلى.. هذه فلسفته عندما عين لأول مرة ناظرا في ثانوية عمر بن عبد العزيز.. إنسان بشوش في طيبوبته، وطيب ببشاشته، قوي في هدوئه، وهادئ في قوته… ما أسهل تأقلمه في المجال إذا أراد بمحض إرادته، دون أن يخضع لأي أمر أو قرار.. يحب الحرية بمسؤوليتها ومروءتها… ويقول لا لإعطاء الدروس بالمجان، صريح، صادق… يقول ما في سريته جهارا… لا ينافس أحدا على « مساحة » ولا على « تفاحة »، بإرادته وإصراره ينسج نسيجه المميز… والآن سيتقاعد، فجأة سيتقاعد… أطال الله في عمره… وبتقاعده ستفتقد ثانوية عمر بن عبد العزيز ناظرا من العيار النادر… ستفتقد رجلا حكيما، رجلا شكل مع المدير ثنائيا رائعا، نموذجا للانسجام والتعاون والتضحية.
إلى جانب هذا الثنائي المثال يشتغل رجلان مقتدران، حارسان عامان، الأستاذ بوجمعة لعمارتي والأستاذ يحيى كعواشي… إداريان يتعاملان بصرامة مرنة وعطف أبوي مع تلميذات وتلاميذ الثانوية… معهما الاشتغال جذاب وغير رتيب… إنهما الرجلان المناسبان في المكان والزمان المناسبين…
1915 كانت البداية… وكل مائة عام وثانوية عمر بألف ألف خير… النجاح عنوان المؤسسة والتفوق سيد الميدان… اختارت الأستاذات المؤسسة لنادي فن وطبيعة، تخليدا للذكرى، أن تغرس وتسقي الورود.. ويعملن جاهدات على تجنيبها لسعات الشوك، ويمنحنها الأمل في المستقبل لتملأ ثانوية عمر عطرا.. فالمرأة لها قلب.. والأستاذات لهن مشروع.. وليرحل من هذا العالم الذي هو في حاجة إلى العواطف النبيلة وشيء من التضحية… إن ثانوية عمر بن عبد العزيز تزرع والمغرب يحصد، وفي انتظار أن تقول كل المؤسسات التعليمية « كلنا ثانوية عمر بن عبد العزيز » أقول « مبروك ».

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. ancien élève
    27/04/2015 at 22:12

    Il ne faut pas oublier de rendre hommage par la meme occasion aux Français qui avait eu l’idée et le génie de construire ce lycée qui était parmi les meilleurs d’Afrique et d’Asie à l’époque coloniale.

  2. عبداللهإإ
    28/04/2015 at 09:48

    دون ان ننسى أولسك الذين حملوا المشعل فأوصلوا الثانوية العريقة إلى ما هي عليه الآن وفي ظروف قاسية غاب عنها حتى الأمن المتوافراليوم بكثرة قي المؤسسات التعليمية..أولئك الذين كوّنواالرجال بوسائل تكاد تكون منعدمة.إلى إولئك نوحه شكرناوعرفاننا لهم بالجميل

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *