Home»Débats»تصريحات السيد وزيرالتربية بين الاختزال والتعميم.

تصريحات السيد وزيرالتربية بين الاختزال والتعميم.

0
Shares
PinterestGoogle+

تصريحات السيد الوزير بين الاختزال والتعميم.

بقلم : صلاح الدين بريشي، معلم بالمدرسة الابتدائية.

 

تفاجأت أسرة التعليم بأخبار تنقل تصريحات فجة منسوبة لوزير التربية الوطنية، كالت ألوانا من التهم الباطلة لرجال التعليم، وسعت إلى تحميلهم مسؤولية ما آل إليه الوضع التعليمي في بلادنا. وقد انتظرنا أن يصدر عن الوزارة ما يفند هذه الأخبار، أو على الأقل يحملها على وجه من التأويل يمتص بعض غضب الشارع التعليمي، لكن الوزارة لم تهتم لذلك، وآثرت أن تضع أذنا من طين وأخرى من عجين، فرجال التعليم هم الحائط القصير، والمشجب القريب، الذي تعلق عليه كل الآثام والأخطاء.

إن الكلام الذي قاله السيد الوزير كلام عام، ألفنا أن نسمعه، وعوَّدنا أنفسنا على تجاوزه لأنه من الأحكام الجاهزة التي لم تنبن على فهم عميق ودراسة متأنية للواقع التعليمي، وهو غالبا ما يصدر عن العامة لا عن النخب المثقفة التي تستطيع أن تدرك أن اختزال أسباب مشكل تجذر لعقود من الزمان في سبب واحد لا يمكن إلا أن يشتت الرؤية، ويحول دون الفهم الصافي للواقع قيد الدرس. إن الاختزال من آثار التفكير السطحي الذي نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى محاربته، لكونه أصبح يهدد أمن مجتمعاتنا المعاصرة، فإن بعضنا يقرأ حديثا يقتضبه اقتضابا عن سياقاته ومقاصده ثم يقيم عليه ( فقها ) خاصا به، ينطلق منه ليحاكم علماء الأمة ويلغي الاختلافات التي أغنت المشهد العلمي الإسلامي، حين يجعله رأيه هو موقف الدين، وكل ما يخالفه ابتداعا وخروجا عن الملة… نحن الآن في مسيس الحاجة إلى أن نتجاوز المظاهر لننفذ إلى الحقائق الثاوية خلفها، وإلى أن ندرك أن الظاهرة البشرية شديدة التعقيد، يحتاج فهمها إلى نِظرة شمولية تستحضر أبعاد القضية، وتربط بين أبعاضها لتتشكل الصورة على أفضل هيئة.

ثم إن التعميم كالاختزال أيضا ينطوي في الغالب على كثير من المغالطات، حين ينطلق من مقدمات غير مسلم بها، أو حين يخلص إلى نتائج لا تفضي إليها المقدمات، وهو في مطلق الأحوال فعل محفوف بالمخاطر، تظل نتائجه حتى عند المناطقة احتمالية. هذا إذا تحدثنا عن التعميم بمعناه المنطقي أما تعميم السيد الوزير فمحض اتهام ليس له ما يسنده، إلا أن يكون انتقاما من رجال التعليم الذين عرَّضوا على الجدران الفايسبوكية بشيء من مراسلاته، أو ببعض مواقفه السلبية من قضايا الهوية المغربية.

لم نعتد الوقوف كثيرا عند مثل هذا المنطق الاختزالي/ التعميمي لأنه كما أسلفت يصدر في الغالب عن العوام، لكننا لا نستطيع أن نسكت حين يصدر عن المسؤول الأول عن قطاع التربية ، إذ يعسر علينا أن نلتمس له العذر بأنه يجهل الواقع، وأنه بعيد عن الشأن التعليمي، فلا يستطيع أن يشكل عنه إلا صورة غائمة.. لا يمكن أن نقول مثل هذا، فالكلام وارد عن أكثر الناس فهما لأبعاد القضية.

إن تحميل الأسرة التعليمية مآسي التعليم اتهام خطير لا يسعنا السكوت عنه، فلسنا نحن من وضع البرامج التي يصفها معالي الوزير بـ ( الخرايف )، ولا نحن من سن السياسات التعليمية، ولا من وضع الخرائط المدرسية، التي جنت على أطفالنا، حتى أصبح مدرس القسم السادس مضطرا لأن يوقف درس الاستثناء والمنادى ليعلم التلميذ الفرق بين الاسم والفعل، بل ليلقن بعضهم وهم يراهقون نحو الرجولة الحروف الأبجدية.

ولسنا ننزه أنفسنا أو ندعي لها العصمة، فنحن نتحمل جزءا غير هيّن من مسؤولية انحدار الوضع التعليمي في بلادنا، لكننا مع ذلك لسنا إلا طرفا في معادلة معقدة لا كل المعادلة، فأزمة التعليم واقع تتدخل في إنتاجه جهات مختلفة من بينها الوزارة والنيابات والمفتشون والمدرسون وأسر التلاميذ، والنظام الإعلامي، والمجتمع المدني بشكل عام، لكن السيد الوزير يصر على أن يحملنا وزر القضية وحدنا ؟ هل يظن أنه بذلك يخلي ساحته من المسؤولية ؟ وما جدوى سعيه إلى الإصلاح، وعقده اللقاءات والمشاورات مع مختلف المتدخلين لبحث أسباب الأزمة، وسبل الانتقال الآمن من هذا الوضع إلى وضع أفضل، إذا كان يعرف مكمن الخلل، ويرى أننا نحن الذين هوينا بالقطاع إلى هذا الحضيض المخزي ؟؟ أليس من الخير لبلادنا أن يوفر عليها ما ينفقه في سبيل هذا المسعى ؟ وهل اتهام رجال التعليم اتهامات جزافية كهذه من شأنها أن تكون خطوة طيبة في اتجاه حل الأزمة، أم أنها على العكس ستكون حجرة عثرة صماء تعيق كل حركة في اتجاه التغيير الإيجابي ؟

قضية التعليم قضية حياة أمة، وليست موضوعا للعبث والاستهتار، والحديث فيها ينبغي أن يتسلح بالمعطيات والبيانات الصادقة، ويتكئ على رؤية جديدة تفترض حسن النوايا في الأطراف جميعا، وينأى عن تبادل التهم، والقفز على الحقائق الجلية لتبرئة الذات. ليس عيبا أن نعترف أننا أخطأنا، وأن نواجه أخطاءنا بما يكفي من الشجاعة والتبصر لنستفيد منها إلى أبعد مدى، كما يجب أن يكون الحديث فيها منضبطا لقواعد الحوار وآداب المناظرة، حتى لا ينحرف النقاش إلى قضايا هامشية.

إن كل طرف من الأطراف المتدخلة عليه واجب تاريخي حيال ربه أولا، ثم اتجاه وطنه وأمته يجب أن ينهض به على الوجه المطلوب، وعلى رأس هؤلاء يقف السيد الوزير باعتباره المسؤول الأول عن القطاع. وليس له أن يعتذر بعدم كفاءة الأساتذة أو قلة نشاطهم، فذانك أمران يسأل عنهما هو قبل غيره؛ فإذا تدنى مستوى التحصيل العلمي لبعض رجال التعليم فلأن وزارته صادرت عليهم حقهم في تطوير ذواتهم وإكمال دراساتهم الأكاديمية، وإذا كان بعضهم متقاعسا عن أداء واجبه فلأن وزارته لم تقم بواجبها في مراقبتهم ومحاسبتهم، أو لم توفر لهم الفضاء الصالح لأداء عملهم فخبا نشاطهم، وقل نتاجهم .. أما أن يسكت عن ذلك كله، لينتخب من الواقع التعليمي أقبح نماذجه ثم يعممها على الجميع، فذلك ما لا يمكن أن يستسيغه ذو منطق سليم.

إن نقد الواقع حق مشروع لنا جميعا، ولذلك فلسنا نصادر على السيد الوزير حقه في أن يبدي رأيه، وأن يعبر عن قناعاته بكل حرية، لكننا نأخذ عليه منهجه في التشخيص، وأسلوبه في الاعتراض. ونحن نؤكد أننا مع النقد حين يكون مرقاة تعلو بنا إلى واقع أفضل، لكننا ندينه كل الإدانة حين يكون ( مهواة ) تتكسر على دركاتها آمال الشعب المغربي العريضة في إصلاح المنظومة التعليمية.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. رحم الله الفقيد
    16/05/2015 at 08:58

    انتقل إلى رحمت الله، كاتب هذا المقال: صلاح الدين بريشي مساء يوم الخميس رحمه الله، هو وأبوه وزوجة أبيه وزميله في المهنة الهواري، إثر حادث سير بين وجدة وتاندرارة مقر سكناهم وعملهم. رحم الله الفقيد ووالديه وزميله وألهم ذويهم الصبر والسلوان وأسكنهم فسيح الجنان.

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *