لم يخطر ببال من سموا مصر أرض الكنانة أنه سيأتي عليها حين من الدهر تستبدل فيه رمز الكنانة برمز الكرة ، ويتحول شعب الكنانة إلى شعب كرة. ففي ظرف جد حساس تمر به أرض الكنانة وهي قاطرة البلاد العربية تم تمرير مخدر كرة القدم للشعب المصري الكريم الأعراق الذي لم يمض عليه عصر من العصور دون أن يسجل الملاحم البطولية الخالدة. لقد أرادت جهة لها مصلحة في أرض الكنانة أن تصرف الوعي المصري عن الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد العربية عموما ومصر خصوصا . ظرف وصول حكومة صهيونية متطرفة ومتنكرة لكل التزاماتها السرابية تجاه القضية الفلسطينية والعربية . وظرف محاولة وضع اللبنات الأخيرة لتهويد مدينة القدس برمتها ، وتدمير المسجد الأقصى لبناء الهيكل المزعوم بالرغم من نداءات أحرار العالم الإسلامي والعربي وآخرها نداء العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في خطبة الجمعة الماضية ، و الذي عبر فيها عن مقاطعته لما يسمى بمؤتمر لقاء الديانات احتجاجا على حضور اليهود ، وقرع ناقوس الخطر لتنبيه حكام الأمة إلى المخاطر المهددة لبيت المقدس. وظرف تمرير الرئاسة الوراثية بما لها من دلالات . وظرف تكريس حالة الطوارىء التي لا نهاية لها من أجل إطلاق يد القضاء العسكري الطولى في محاكمة كل أحرار المعارضة التي ترفض التوريث والتطبيع مع العدو ، والمشاركة في حصار قطاع غزة . وظرف تدني المستوى المعيشي للشعب الكريم بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية ، وما سبقها من فساد اقتصادي واجتماعي خلفه الأيادي الصهيونية الماكرة ، حتى صار عدد الأحياء من سكان المقابر يفوق عدد الأموات بعشرات المرات. وظرف السياحة الجنسية في منتجعات صحراء سيناء المقدسة .

في كل هذه الظروف وغيرها مما ظهر وخفي تصرف أنظار شعب الكنانة صوب مقابلة في كرة القدم مع فريق الشعب الجزائري الشقيق . ويبدو لمن يتابع البرامج المروجة لهذه المقابلة وكأن أرض الكنانة تستعد لعملية عبور جديدة ، أو لعملية فك الحصار والطوق عن قطاع غزة المدمرة والتي يشكو أهلها الصامدون ظلم العشيرة قبل ظلم العدو. وبالصدفة تابعت برنامجا الدعاية الرخيصة لمباراة كرة القدم التي تم تهويل أمرها فتحولت من مجرد لعب إلى جد ، ففوجئت ببعض الآراء المحزنة والمخزية حيث شكك أحدهم في مليون ونصف مليون شهيد جزائري ، واعتبر البعض أن العدوان الثلاثي على مصر كان بسبب نصرة الثورة الجزائرية ، وكأن الأمر معرة وسبة وليس ملحمة من ملاحم أرض الكنانة. إن تعبئة شعب الكنانة من أجل مقابلة في كرة القدم هو دوس على دماء شهداء الكنانة ودماء كل شهداء العروبة والإسلام ، وهو صرف لهمة شعب الكنانة عن كنانته من أجل تحرير فلسطين . لقد كان شعار شعب الكنانة دائما هو تحرير فلسطين قبل استرجاع سيناء . وهاهي غزة هاشم تئن تحت حصار خانق وسيناء توفر المنتجعات السياحية الجنسية للصهاينة. إنها حرب أفيون من نوع جديد. إنه أفيون كرة القدم المستعمل لقتل العزة والكرامة في نفوس شعب الكنانة. وإن شعب الكنانة أكبر وأعظم من أن تنطلي عليه حيل حرب أفيون كرة القدم ، لن ينسى الشعب المصري الباسل بطولات ابن العاص ، ولا بطولات المعز ، ولا تاريخ العز ، ولا أبطال العبور. لن تشغله كرة القدم عن عظائم الأمور ، ولن تعظم في عينه صغارها ، بل ستصغر في عينه العظائم .

فيا شعب الكنانة عليكم تعول الأمة فأنتم قاطرتها نحو التضحية ، ونحو الفداء ، ونحو الجهاد . وأنتم أمل الأمة ، فما انهزمت الأمة إلا يوم تم إقصاء الكنانة من معادلة الصراع العربي الصهيوني. لقد أراد المغرضون شغلك يا شعب الكنانة بالكرة ، وأنت لا شغل لك إلا الكنانة ، ولا شغل لك إلا رمي العدو بنبال البطولات حتى يخرج مدحورا مذموما. وستبقى الكرة عبارة عن قطعة جلد منفوخة بهواء الوهم ، وتبقى الحقيقة المؤلمة وهي أرض فلسطين الجريحة ، وقدسها الأسير ، وشعبها الصامد ، وبجواره شعب عريق في البطولات لا يكلفه استرجاع مجده إلا تقليب صفحات تاريخه المجيد ليسترجع مجده الضائع في زمن التطبيع والهرولة والانبطاح. فكن يا شعب الكنانة كما عهدناك لا كما أراد لك المغرضون والصهاينة الغاصبون المجرمون.