Home»Correspondants»حمار وحوار في الحوار

حمار وحوار في الحوار

0
Shares
PinterestGoogle+

حمار وحوار في الحوار

يوسف حجازي

قال الكاتب والممثل والخرج المسرحي البريطاني الكبير هارولد بنتر في أمسية أحياها في دار المسرح القومي البريطاني في مناسبة إطلاق ديوان شعر ضم قصائده التي نظمها تعبيرا عن معارضته للحرب على العراق أن الولايات المتحدة الأميركية دولة نازية تجاوزت حدود العقل وحدود النازية الألمانية لأن ألمانيا كانت تريد السيطرة على ارويا ولكن الولايات المتحدة الأميركية تريد السيطرة على العالم ، كما نعت الرئيس الأميركي جورج بوش الابن بالمجرم الجماعي وقارن بينه وبين هتلر ، ووصف رئيس وزراء بلاده توني بلير بالأحمق ، وقال عن صموئيل بيكيت ( أنا لا أريد من صموئيل بيكيت فلسفات ولا منشورات ولا دوغمات ولا عقائد ولا مخارج ولا حقائق ولا إجابات ولكن يكفيني انه الكاتب الأكثر شجاعة ، وكلما سحق انفي في البراز أكثر ازداد امتناني أكثر وأكثر ) وهذه كلمة حق يراد بها حق لأنه لا حق لكاتب أن لم يكن يملك الشجاعة في قول الحقيقة ، وقال أن صموئيل بيكيت ويونيسكو وجان جينيه واداموف وسمبسون وتوم ستوبارد وادوارد البي قالوا الحقيقة لأنهم نسفوا تقاليد الحوار الذي لا يؤدي إلى رسالة أي رسالة كانت ، وقال مارتن اسلين في كتابه دراما اللامعقول ( عندما ظهرت مسرحيات بيكيت ويونيسكو وجان جينيه واداموف وهارولد بنتر وسمبسون وتوم ستوبارد وادوارد البي على المسرح لأول مرة حيرت معظم النقاد والمشاهدين وأثارت سخطهم ولا عجب في ذلك لأن هذه المسرحيات كانت تهزأ بجميع بالمقاييس التي ظلت تقاس بها المسرحيات منذ عهد ارسطو ، ولذلك كانت تظهر وكأنها تتحدى الناس الذين يذهبون إلى المسرح وهم ينتظرون أن يجدوا أمامهم عملا يدركون انه مسرحية محكمة الصنع يكون لها بداية ووسط ونهاية ، وان تقدم شخصيات دوافعها مقنعة ، وأن يأتي الإقناع عن طريق حوار ذكي ومنطقي البناء ، لا أن تبدأ من نقطة متعسفة وتنتهي بشكل تعسفي ، وأن تقدم كائنات غير بشرية لا يمكن التعرف عليها وشخصيات غير مقنعة تقدم على أفعال خالية من الدوافع وحوار ينحدر إلى مستوى الثرثرة التي لا معنى لها ، وهذا هو مسرح اللامعقول الذي يتحرر فيه الكاتب المسرحي من القيود والمقاييس المسرحية وخاصة قيود المكان والزمان والحدث والحوار الذي يؤدي إلى رسالة فتبدوا مسرحيته عبارة عن سلسلة من الأحداث العشوائية التي لا يربط بينها أي رابط وكأنه يقصد من وراء ذلك كشف تناقضات الحياة وتناقضات النفس الإنسانية ، ولذلك كانت هذه المسرحيات ثورة على الواقع المسرحي ، وعلى المقاييس النقدية التقليدية المسرحية ، وعلى الوسائل الفنية المسرحية ، وعلى شكل المسرحية ، وعلى مضمون المسرحية ، وعلى فكرة المسرحية ، وعلى عقدة المسرحية ، وعلى الحل المسرحي ، وباختصار كانت هذه المسرحيات لا تصور شيئا من الطبيعة ، وقد كان أول من أطلق مصطلح مسرح اللامعقول الكاتب الفرنسي ألبير كامو الذي قال في مقالته أسطورة سيسيفوس في عام 1942 ( أن وضع الإنسان في هذا الكون وضع لامعقول ، أنه يعيش في عالم لا يفهمه ولا يستطيع السيطرة عليه ولا يرى لوجوده فيه أي معنى أو هدف معقول ، فهو دائما قلق ومهدد على نحو غامض ) وهذه للأسف حقيقة لأننا فعلا نعيش في عالم لا نفهمه ولا نستطيع السيطرة عليه ولذلك لا معنى لحياتنا في هذا العالم اللامعقول ولذلك
ماذا يعني أن يتحدث الإنسان إلى نفسه ؟
وماذا يعني أن يلجأ الإنسان إلى الطبيعة للاستفراد بذاته ؟
هل يعني هذا نوع من الجنون أو نوع من اللاعقلانية ؟
علماء النفس والطب النفسي والطب السلوكي يقولون أن حديث النفس إلى النفس هو حوار داخلي وفكر قائم بذاته نعترف فيه لأنفسنا بأنفسنا ونشكو فيه أنفسنا لأنفسنا ومن أدرى بأنفسنا من أنفسنا ، وهو أيضا وسيلة للفضفضة عن النفس ومنع الأمراض وعلاج التوتر وتحديد الأفكار وحل المشاكل ولا يكشف عن مشاعر الإنسان التي يمكن أن يترتب على إظهارها نتائج سلبية ، وأن لجوء الإنسان إلى الطبيعة للاستفراد بذاته يعني أن الإنسان يرمي إلى التقليل من الشحنات السلبية التي يمكن أن تشحن بها النفس من خلال التعامل مع الآخرين ، ولذلك لا يعني حديث النفس إلى النفس أو اللجوء إلى الطبيعة نوع من الجنون آو نوع من اللاعقلانية لأنه نتاج عوامل داخلية وخارجية ، ولأنه يقلل من الشحنات السلبية التي يمكن أن تشحن بها النفس من خلال التعامل مع الآخرين ، ولأنه يزود الإنسان بطاقات ايجابية ، أفكار وذكريات وهواجس وهموم كانت تدور في نفسي وتطوف في وجداني وتعبر أفق خيالي ، أفكار وذكريات وهواجس وهموم تمتد في الزمان والمكان ولا يحدها زمان أو مكان ولا أفق لها في الزمان والمكان ، فاليوم كالأمس والغد كاليوم ، وفجأة استيقظت من أفكاري ووجدت نفسي اجلس مع نفسي وأحضن نفسي بنفسي تحت مطر السماء الحزين وعلى رمال شاطئ البحر الحزين ، وكان منظر المطر يبعث على الحزن ، وكان منظر البحر أيضا يبعث على الحزن ، ولا ادري هل كانت السماء تبكي على الأرض لأنها مكان خطيئة البشر أم لأنها كانت تغسل الأرض من خطيئة البشر ، وهل كان البحر يبكي على الأرض لأنه ترك القراصنة يصوبون مدافعهم فوق مياهه إلى صدرها أم لأنه لم يصل الأرض بالأرض بعد أن فصلت الأرض عن الأرض بالسدود والقيود والجنود ، وفجأة وأنا على هذه الحال بين الحقيقة المرة والخيال المر والواقع المر والحلم المر انشق ماء البحر وارتفع الموج وخرج من البحر حمار كبير ، حمار نسيج وحده ومثله في الحمير لا يحسب كما رأيته في تلك اللحظة وفي تلك الظروف على الأقل ، وتقدم نحوي في حركة متزنة ولكنها لم تكن تعبر عن طمأنينة ولكن عن قلق ، وحياني وعلى شفتيه ابتسامة لم تكن مطبوعة بطابع الرضا ولكنها كانت ابتسامة مصنوعة ، فعرفت أنني مقبل على حوار مر ، ولكني ومع ذلك وجهت له تحية حارة تليق بمكانته الرفيعة ومقامه العالي .

وقال الحمار : لماذا تجلس هكذا وفي هكذا جو
ق

لت : لأن المسؤولية هي المحرك الأساسي للإرادة

قال الحمار : الإرادة محور مبدأ الوجود ولكن ما شأن الإرادة في جلوسك هكذا

قلت : لأن الوجود العضوي نفسه لا شيء بدون إرادة

قال الحمار : الإرادة هي الطبيعة العميقة للأشياء ولكن ما شأنها في جلوسك هكذا

قلت : لأنها هي الفاعل المحرك في كل الأحداث الجسدية واللاشعورية والباطنية

قال الحمار : وهي أيضا شكل الجوهر لكل الأشياء سواء كانت جزئية أو كلية فالحياة ناجمة عن موت والجديد ناتج عن قديم ولكن ما شأنها في جلوسك هكذا

قلت : لأنه وبدون إرادة تكون حركة الأحداث الجسدية واللاشعورية والباطنية حركة غير طبيعية كما تكون العواطف مزورة والأحاسيس مشوهة

قال الحمار : نعم قد يكون هذا صحيحا وقد تكون فعلا لا تشعر بقسوة الجو ولكن الصحيح أيضا انك سوف تعاني من نتائج هذا الجو ولذلك هيا بنا نذهب ونجلس في مكان آخر وبعيدا عن هذا الجو القارس

قلت : كما تشاء
وهنا أخذ الحمار بيدي ومشينا إلى أن وصلنا إلى إحدى المراكب الذي دمرتها صواريخ البحرية الصهيونية وقتلت قبطانها وألقت جثته في البحر وجرحت ثلاثة من بحارتها ونقلتهم إلى جهة غير معلومة داخل الخط الأخضر وبعد آن جلسنا

قال الحمار : لكن لماذا كل هذه الفلسفة

قلت : هذه ليست فلسفة ولكني أحاول تحقيق التوازن بين رسم الشخصية وتجسيدها

قال الحمار : هل تريد أن تصفي حساباتك مع السلطة

قلت : كل واحد يؤدي واجبه ، واجب يساوي حياته وواجب بحكم العادة

قال الحمار : لكن العيش الطبيعي في ظروف غير طبيعية عيش غير شريف

قلت : ماذا تعني

قال الحمار : أن من يؤدي واجبه بحكم العادة هو الإنسان الذي يبيع الوطن بالبطن

قلت : الشعوب تزحف على بطونها

قال الحمار : لا يجوز أن يتخلى الإنسان عن هويته من اجل لقمته

قلت : القلوب الخاوية لا تعرف الوطنية

قال الحمار : نعم ولكن لا يجوز أن يعيش الإنسان في وطن لا يملك فيه حتى جسده

قلت : وكيف نعيش في وطن نملكه

قال الحمار : بأن تكونوا نفوسا إنسانية متحركة ، وان تكونوا قوة ذاتية فاعلة ، وأن يكون فيكم جوهر الأمة

قلت : نحن نفوسا إنسانية متحركة

قال الحمار : للأسف لا

قلت : لماذا

قال الحمار : لأنكم أجساد إنسانية متحركة وليس نفوسا إنسانية متحركة ولذلك تسيرون على غير طريق ومن يسير على غير طريق يسير على غير هدف

قلت : نحن قوة ذاتية فاعلة

قال الحمار : للأسف لا

قلت : لماذا
قال الحمار : لأنكم أيادي بلا رؤوس ولذلك يفعل فيكم الخوف أكثر مما يفعل فيكم الموت الحقيقي

قلت : نحن أمة يوجد فيها جوهر الأمة ونحن أكثر شعوب الأرض تجانسا وتسامحا

قال الحمار : للأسف لا
قلت : لماذا

قال الحمار : لأنكم أقدم أمة في هذه المنطقة ولكن للأسف لا يوجد فيكم جوهر الأمة

قلت : وما هو جوهر الأمة

قال الحمار : الخلق والإبداع والتفوق

قلت : وكيف نحقق ذلك

قال الحمار : بالوحدة الوطنية

قلت : نحن أكثر شعوب الأرض تجانسا وتسامحا

قال الحمار : وأكثر شعوب الأرض انقساما وتعصبا

قلت : كيف ذلك

قال الحمار : لأن الحركة الوطنية الفلسطينية تنقسم إلى فصائل تقوم على أرضية التناحر على المصالح والصلاحيات والبرامج السياسية ، وكل فصيل له فلسطينه ، ولذلك وعندما يتحول الفصيل إلى دين والأمين العام إلى نبي ، وعندما لا يرتفع الفصيل فوق الجزئيات الصغيرة لا تكون هناك وحدة وطنية

قلت : وكيف تكون الوحدة الوطنية

قال الحمار : عندما تكون الفصائل لفلسطين وليس فلسطين للفصائل

قلت : هذا يعني وحدة وطنية مع استمرار وجود الفصائل

قال الحمار : نعم وهذه هي الوحدة الوطنية الحقيقية لأنها وحدة في تنوع وليس وحدة مطلقة ، ولكن يحب مراجعة التاريخ السياسي لهذه الفصائل ، لأن ما في الفصائل من حق يتوقف على ما قدمت هذه الفصائل ، فإذا كانت قد قدمت انتصارات فهي حق مبين ويجب أن تستمر ، وإذا كانت قد قدمت هزائم فهي ضلال مبين ويجب إن لا تستمر

قلت : وماذا نفعل حتى نكون نفوس إنسانية متحركة وقوة ذاتية فاعلة وحتى يكون فينا جوهر الأمة

قال الحمار : الحوار مع النفس والحوار مع الآخر والحوار مع العالم

قلت : ماذا يعني الحوار مع النفس
قال الحمار : الحوار مع النفس هو الحوار مع الآخر المتصل فينا والمنفصل عنا في نفس الوقت وهو حوار الفصائل والأحزاب والرجل والمرأة والطبقات والأجيال والسلطة والمعارضة والمجتمع المدني والنقابات المهنية والاتحادات والشعبية
قلت : وماذا يعني الحوار مع الآخر

قال الحمار : الحوار مع الآخر هو الحوار مع الآخر المنفصل عنا والمتصل فينا في نفس الوقت وهو الحوار مع اليهودي

قلت : وماذا يعني الحوار مع العالم
قال الحمار : يعني رواية جديدة وإستراتيجية جديدة نستطيع أن ندخل من خلالها إلى ضمير العالم ومصالحه

قلت : نحن لم نتوقف عن الحوار
قال الحمار : لا لم يكن حوار
قلت : كيف
قال الحمار : لأن هناك فرق بين لغة الحوار وثقافة الحوار

قلت : وما الفرق
قال الحمار : ثقافة الحوار هي القدرة على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين من اجل تبادل الخبرات والمفاهيم
قلت : هذا يعني أن ما كان يجري بيننا لم يكن حوار

قال الحمار : نعم لم يكن حوار ولكنه كان سفسطة يحاول كل طرف فيها تطويع إرادة طرف لصالح إرادة الطرف الآخر
قلت : وكيف يكون الحوار

قال الحمار : يجب أن يكون في إطار فكرة معينة ويجب أن ترتفعوا فوق الجزئيات الصغيرة ويجب أن يؤدي إلى حقائق جديدة يجد فيها كل طرف نفسه

قلت : وكيف بتحقق ذلك
قال الحمار : يتحقق إذا كانت كل الأطراف تنطلق من نقطة انطلاق متساوية

قلت : وكيف يتحقق ذلك
قال الحمار : يتحقق ذلك إذا كان الحوار تحت راية الحقوق الوطنية
قلت : هذا يعني أن يكون الاختلاف في التكتيك وليس في الإستراتيجية
قال الحمار : الإستراتيجية لا يجوز الخلاف أو الاختلاف فيها أو عليها

قلت : أنا لأن عرفت لماذا لا تتفق الفصائل
قال الحمار : الحمد لله على السلامة لكن ليس هذا هو السبب الوحيد

قلت : وهل هناك أسباب أخرى
قال الحمار : نعم هناك مفهوم الحوار نفسه
قلت : هل تعتقد أننا لا نفهم ماذا يعني الحوار وما هو مفهوم الحوار
ق

ال الحمار : قلت أن هناك فرق بين لغة الحوار وثقافة الحوار
قلت : وما هي ثقافة الحوار

قال الحمار : أن يكون الحوار أداة من أدوات التواصل الفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي

قلت : وكيف يتحقق ذلك

قال الحمار : بتنمية قدرة الأفراد على التفكير المشترك والتحليل المشترك والاستدلال المشترك

قلت : وكيف يتحقق ذلك
قال الحمار : يتحقق إذا تحرر الإنسان من الانغلاق والانعزالية

قلت : هذا يعني أن يتحرر الإنسان من كل شيء كان يعرفه عن موضوع الحوار

قال الحمار : وان يستقبل موضوع الحوار خالي الذهن مما قيل فيه أو كتب فيه خلوا تاما وان يطهر أفكاره وعقله من كل شيء يمكن أن يبني في عقله وفكره أفكارا مسبقة أو حكما مسبقا عن موضوع الحوار

قلت : وهذا سوف يؤدي إلى فتح قنوات التواصل التي يكتسب الإنسان من خلالها المعرفة والوعي الجماعي والتفكير الجماعي والنقد الفكري الذي سوف يؤدي إلى توليد الأفكار

قال الحمار : وهكذا يصبح سلوك الإنسان مثل الإصبع في اليد الواحدة يتحرك كلما تتحرك هذه اليد

قلت : وهذا أيضا سوف يؤدي إلى خلق حقائق جديدة يجد كل طرف نفسه جزء منها
قال الحمار : وهذا هو موضوع الحوار القادم
قلت : لكنه كان يجب أن يكون موضوع حوارنا هذا كما وعدني حمار حمو رابي

 

قال الحمار : أنا اعرف ما جرى بينك وبين حمار حمو رابي ، فأنت وعدته بفتح سفارة للحمير ونادي للحمير ، وهو وعدك أن يجري معك حوارا حول ما يجب أن يخرج من الحوار الفلسطيني – الفلسطيني من حقائق جديدة ، ونحن على الوعد ولكن ليس الآن ، وهنا ودعني الحمار وعاد إلى البحر وهو يقول سيكون حوارنا القادم النظام السياسي الفلسطيني ، وودعته وأنا أتذكر القديس فرانسيس الأستيزي الذي كان ينادي جسده أخي الحمار وقلت في نفسي كان القديس يقول نصف الحقيقة وكنت أتمنى لو أنه كان ينادي عقله أخي الحمار .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *