Home»Correspondants»نوازل النكاح

نوازل النكاح

0
Shares
PinterestGoogle+
 

هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح وهو هل النازلة فرضية يقصد بها التعبير أواختبار القدرة الفكرية لدى الفقيه ,أو تمرين فكري يجعل الفقيه مستعدا باستمرار للفتوى .أم هي مجرد رياضة ذهنية كما يرى سعد غراب {{إنها أسئلة تقع في الكثير من الأحيان في مجلس الدرس فتصبح نوعا من الرياضة الفكرية }}أم هي تعبير صادق عن الظاهرة الاجتماعية ؟إذن فما هي المعايير التي تمكننا من التمييز بين النازلة باعتبارها قضية فقهية مجردة لا تعكس الواقع وبين النازلة باعتبارها ظاهرة اجتماعية؟
في منظوري لا بد أن تتوفر شروط خمسة في النازلة حتى يتسنى لنا أن نتحدث عنها كظاهرة اجتماعية :
1التحديد التاريخي واجغرافي للنازلة .
2لا بد أن تتكرر النازلة بنسبة معينة [لأن ذلك يساعد على تشخيص عقدة اجتماعية معينة كما أنه مؤشر على أهمية النازلة )
3أن تكون النازلة قضية محتملة التحقيق في الواقع
4أن يكون الفقيه مهتما بالنازلة ,وبالرد عليها (وهذا دليل هام على عكسها للواقع )
تحديد مكانة النازلة ودلالتها الاجتماعية مثلا نوازل نكاح ,نوازل طهارة …..)
فإلى أي حد تستطيع النوازل أن تكشف لنا نوع العلاقات التي ظلت تسود الأسرة المغربية التقليدية وخاصة تلك العلاقة التي تربط بين الزوجين ؟ وهل بإمكان نوازل العلمي أن تطلعنا على وضعية المرأة المغربية لمغرب ما قبل الاستعمار؟
إن قراءة نوازل العلمي خصوصا منها تلك المتعلقة بالمرأة التقليدية لا غناء عنها لمعرفة وضعية المرأة المغربية والمشاكل التي ظلت تجرها معها عبر التاريخ والتي مازالت تعاني من رواسبها إلى يومنا هذا رغم الإصلاحات العرجاء لمدونة الأسرة ورغم تبني الدولة قضية المرأة والدفاع عنها .فالننصت إذن إلى القضايا الفقهية باعتبارها وثيقة سوسيولوجية فريدة من نوعها والنحاول قراءتها قراءة جديدة تكشف لنا ما وراء السطور.

نوازل النكاح

….(وسئل الإمام سيدي عبد القادر الفاسي عن رجل أراد أن يخطب عند آخر فسأل هل له بنات ؟فأخبر بأن له بنتين ,ثم استشار في أيهما تليق به فقيل له :الصغرى فقال: ما اسمها فقيل عائشة , فبعث من كلم والدها .ولما آنس منه القبول وجه عدلين وهوبأن مخطوبته الصغيرة من البنتين إلا أنه سماها عائشة ,فتوجه العدلان لوالدها ,فسمعا منه انكاح ابنته عائشة للخاطب المذكور , وقبل ذلك الخاطب المذكور .ثم قيل للخاطب المذكور:إن عائشة هي الكبرى والصغرى إنها هي صفية .فقال إنما خطبت الصغرى ,وشهد عدلان إنه كان يذكر لهما الصغرى إلا أنه سماها لهما بذلك الإسم ,وقال والد البنت : إنما خطبت عندي عائشة وهي الكبرى ,فهل سيدي يلزم النكاح المذكور أم لا ؟
فأجاب :أنه إذا كان اختلف الوالي ,وا لزوج عن تعيين المخطوبة مع اتفاقهما على العقد ونسيان البينة التعيين لم يثبت النكاح حتى يتفقا على واحدة معينة ولا يمين عليهما .وعلى الزوج نصف الصداق لأنه ناكح قامت عليه البينة واختلافهمافي عين المرأة لا يخرج عن النكاح وهذا مذكور في نوازل المعيار عن ابن القاسم ومثله في أحكام القاضي المكناسي عن ابن زرب (نوازل العلمي الجزء الأول ص 32)
هذه النازلة تكشف عن طبيعة الواقع الاجتماعي في فترة زمنية محددة – والحقيقة أنه ليس هناك أفضل من آراء الفقهاء وفتاويهم للتعبير عن ممارسات اجتماعية معينة –
فالتدليس الواضح على الزوج , وتبديل المخطوبة ,يبدو أنه كان أمرا شائعا في المجتمع نظرا لتكرار النوازل التي تناولت نفس الموضوع ,ونظرا لأن الفقيه نفسه لم يكترث بهذا التزوير والغش ,ولم يبدي أي امتعض أو استنكار له .واعتبر ذلك نكاحا صحيحا وعلى الزوج دفع نصف الصداق إن هو طلقها قبل أن يدخل بها .ويبدو لي أن هذه الفتوي وجيهة في مجتمع يسود فيه العزل الكلي بين الجنسين ولا سبيل لأحدهما أن يرى الآخر .صحيح أن الإسلام أمر بالحجاب ,ونهى عن الخلوة ولكنه أباح لها الخروج إلى مجالس العلم دون تبرج ولاعري كما تفعله بنات كلياتنا وثانوياتنا اليوم كما اباح لها الخروج إلى المساجد والقيام بكل أعما الخير يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله )
إن الزواج من الأمور التي حث عليها الإسلام وسن لها قوانين وتشريعات من بينه الخطبة التي هي مجرد وعد ورغبة في الزواج من امرأة معينة .ومن حكمتها التعارف الكافي والكفيل بإنجاح الزواج والرسول صلى الله عليه وسلم يقر هذا الهدف من الخطبة فيقول (إذا خطب أحدكم المرأة ,فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فاليفعل – رواه أبو داود والشافعي -) وفي حديث آخر أن المغيرة خطب امرأة فسأله الرسو صلى الله عليه وسلم :هل نظرت إليها ؟ قال : لا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما -روه مسلم والترمذي -) وفي حديث ثالث أن رجلا من المهاجرين أتى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أنه خطب امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنظرت إليها قال لا قال إذهب وانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا -قيل زرقة وقيل ضيق رواه مسلم والنسائي)
ولكن كلما ابتعد المسلمون عنعصر النبوة وكلما غاب مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلما انتشرت الفاحشة ازداد الناس تشددا وتفننوا في عزل المرأة خوفا عليها وخوفا منها .ومن الطبيعي جدا في مجتمع رجولي ذكوري فاقد للثقة بالمرأة القطاء أو الأفعى كما يحلو له تسميتها أن يجعلها أسيرة البيت لا تخرج منه كما تقول العامة إلا لبيت زوجها أو لقبرها . وفي ظل الفصل المبر والغير مبرر شرعا بين الجنسين فقدت الخطبة الحكمة التي فرضت من أجلها وأصبحت مجرد اجراء شكلي – وهي االركن الأساسي في الزواج- وتعارف المجتمع على منع الخطيبين من رؤية بعضهما إلا في يوم الزفاف وقد يكون صدمة لأحد الطرفين أو لكليهما.إن مهمة الاختيار والخطبة أوكلت إلى غير المعنيين بالأمر وهن نساء الأسرة في الغالب إن لم يكن مجلس القبيلة . يقول الدكتور زهير حطب في هذا المضمار (وكان من نتيجة ذلك أن أصبح اختيار الزوجة من مهمات نساء الأسرة …ويعرض اختيار نساء الأسرة على والد الشاب فيزكي الاختيار أو يلغيه وفيبلغ بعدئذ إلى الشاب الذ يأخذ علما بذلك . لم يكن إذن فرصة للفرد في اختيار قرينه -زهير حطب تطور بنى الأسرة العربية والجذور التاريخية والاجتماعية لقضاياها المعاصرة ص 126 127) وإلى يمونا هذا نجد حتى جمهرة المتعلمين والمثقفين لا يقدمون على الزواج إلا إذا بارك الآباء اختيارهم ووافقوا عليه ولا تكاد تعثر على فتات متعلمة تتزوج دون الحصول على موافقة صريحة من أهلها ورغم أن مدونة الأسرة خولت لها الزواج بدون إذن الولي فإن الإحصائيات لاتكاد تذكر إلاحالات نادرة جدا من اللواتي تزوجن من دون موافقة الولي .
إن المجتمع يبالغ في عزل المرأة وحجبها بل يفضل ويختار لها القبر كمكان أمين واق لشرفها وشرب العائلة والقبيلة قبلها ولقد عبر أحد الشعراء عن هذه الحقيقة في قوله :
ولم أر نعمة شملت كريم
كنعمةعورة سترت بقبر
وقال آخر:
تهوى حياتي وأهوى موتها شغفا
والموت أكرم نزال على الحرم
وقال شاعر ثالث :
وددت بنيتي وددت أني
دفنت بنيتي في قعر لحد
ورابعهم يقول :
سميتها إذ ولدت تموت
والقبر صهر ضامن وبيت
إن مثل هذا المجتمع لانتوقع منه أن يمتثل لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسمح برؤية الخطيبين لبعضهما البعض حتى يكون الاختيار عن اقتناع وحتى تكون العلاقة الزوجية علاقة مبنيةعلى أسس متينة فلا يعبث بها عند أول اختلآف بين الزوجين .
إن قاعدة تبدل الأحكام بتبدل الزمان لم يكن لها أي أثر في مجتمع تحجر فيه وصدئ ذهن وعقل الرجل وربما كان ذلك بفعل تجاوزات المراة واستهتارها بالقيم والعادات الاجتماعية .فاعتقد الرجل أن أحسن سبيل لحفض المرأة والمحافضة عليها هو عزلها مكانيا وذهنيا وعقليا .وما النازلة التي ذكرنا إلا تعبير عن مثل هذا الواقع والفتوى نفسها تتلاءم معه بل وتكرسه .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée.