Home»International»الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بين إنكار السلفية وابتداع الطرقية

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بين إنكار السلفية وابتداع الطرقية

0
Shares
PinterestGoogle+

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بين إنكار السلفية وابتداع الطرقية

محمد شركي

كلما حلت مناسبة المولد النبوي الشريف تجدد الجدل العقيم بين السلفية والطرقية بخصوص الاحتفال بها ، ذلك أن السلفية جريا على أسلوبها المتشدد في التدين تنكر جملة وتفصيلا الاحتفال بهد المناسبة ، في حين أن الطرقية جريا على أسلوب تدينها المبتدع تبالغ وتغلو في الاحتفال بها من خلال بدع ابتدعتها ما أنزل الله بها من سلطان .

ومعلوم أن موقف الفريقين معا متطرف ، علما بأن الحق يضيع حيثما وجد التطرف . وبين موقف السلفية وموقف الطرقية يوجد موقف ثالث عليه عموم المسلمين الذين لا غلو ولا تطرف في تدينهم ، وهو موقف يلمس بوضوح حتى لدى بسطاء الناس ، وهو موقف أهل العلم .

وهذا الموقف الثالث يقر بالاحتفال بمناسبة المولد النبوي الشريف خلافا لموقف السلفية التي يظن أتباعها أنهم ملاّك الحقيقة ، وأنهم على الصراط المستقيم، وعلى المحجة البيضاء ، وما سواهم ضالّ مضل ، ولكن الاحتفال الذي يقره مخالف لاحتفال الطرقية التي أحدثت في الدين ما ليس منه من  بدع تعكسها شطحات، وتقديس الشيوخ إلى ما يشبه التأليه ، أوتنزيلهم منزلة النبوة .

إنه لا ينكر الاهتمام والاحتفال بمولد رسول البشرية صلى الله عليه وسلم إلا جاهل بالدين وإن طالت لحيته ، وقصر ثوبه ، وليس مع طول اللحية وقصر الثوب غالبا كما يشهد على ذلك الواقع المعيش سوى التجهم والترفع عن خلق الله عز وجل وتزكية النفس ، واتهام الغير بالضلال ، وادعاء امتلاك الحقيقة ، والانتساب إلى سلف الأمة  ادعاء كاذبا ، واحتكار هذا الانتساب ، والويل والثبور  وعواقب الأمور لمن خالف إطالة اللحية وتقصير الثوب ، ولم يتخذ التجهم سمة وعلامة لا تغادر محياه، ولم يغضب إذا تلي القرآن الكريم جماعة ، أو صلت الجماعة جماعيا على سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فهو في نظر السلفية فاسق منافق  مبتدع محدث في الدين يحل دمه ، وعرضه لو استطاعت إلى ذلك سبيلا.

 ولقد جنت السلفية الوافدة من شبه الجزيرة  أول مرة عن طريق تجار ادعوا الاستقامة ، والصلاح ،والعلم ،والاقتداء بالسلف الصالح، وقد ملئت جيوبهم بمال النفط على خلق كثيرعندنا ، فأفسدت تدينهم ، وصاروا وبالا على الأمة ، ومحاضن للعنف الأعمى، وكانوا سببا في اتهام الإسلام بالإرهاب لتهورهم الذي تربوا عليه ، وصاروا خوارج هذا الزمان ، يظهرون المبالغة في التدين استعلاء على غيرهم، ويبطنون الشر والحقد ومساوىء الأخلاق التي تفضحها معاملاتهم  السيئة، وفضائحهم الأخلاقية الصارخة .

وبيان حقيقة الاحتفال بمناسبة المولد ردا على إنكار السلفية لها أن مولد الأنبياء والرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين له شأن في كتاب الله عز وجل حيث ذكرسبحانه مولد المسيح عليه السلام والذي كان معجزة كبرى ، وذكر مولد موسى عليه السلام ، وذكر صبى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق ذكر نعمه عليه (( ألم يجدك يتيما فآوى ))  واليتم إنما يكون في الصبى.

ومعلوم أن الرسل والأنبياء إنما يختارهم الله عز وجل ويجتبيهم اجتباء، ويكون لهم شأن عظيم وهم نطف ،وأجنة، ومواليد، وصبية، وشباب، وكهول، وشيوخ أحياء ، وأموات. ومولدهم شأن عظيم لأن بمولدهم يحين أوان رسالة من رسائل الله عز وجل إلى الناس . وكان الناس عبر التاريخ يقضون مددا زمنية قد تطول وهم ينتظرون رسائل الله عز وجل إليهم ، والتي يحين وقتها بمولد رسل فيهم .

وإنه لا يوجد أعظم من حدث مولد الرسل والأنبياء في تاريخ البشرية الذي يتغير مجراه بهذا المولد ، فيصير للناس شأن بعدما كانوا لحقب طويلة لا شأن لهم .

ويتميز مولد خاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن مولد إخوانه الرسل والأنبياء السابقين ،لأنهم بعثوا إلى أقوام معينة، بينما بعث هو للبشرية كافة بين يدي الساعة ،ولأن مصير البشرية أخذ مسارا معينا ببعثته التي حان أوانها يوم ولد مصداقا لقوله عليه الصلاة والسلام :  » بعثت أنا والساعة كهاذين  » وقرن بين سبابته والوسطى ، وهذا يعني أن مولده هو بالنسبة للبشرية قرب نهاية العالم وقيام الساعة ، وانتقالها من حياة الاختبار إلى حياة الجزاء .

والكيس كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، ومن الكياسة أنه كلما حلت ذكرى مولد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أن يتذكر الأكياس أنها تعني قرب الساعة ، ويحملهم ذلك على شد الأحزمة والاستعداد لها، لأنها كما قال الله تعالى تأتي بغتة ، ومن يظنها بعيدة ليس بكيس  بل هو في أشد غفلة ، وفي ضلال بعيد .

لقد كانت الساعة بعيدة قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه لما ولد قربت ، وحري بمن يقال له لقد حلت مناسبة مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون أول ما يحضره ويخطر بباله هو حدث اقتران المولد بحلول الساعة . وفضلا عن ذلك من المفروض أن يخطر بباله شكر نعمة الرسالة الخاتمة التي أنعم بها الله عز وجل على كل من أدرك دعوة خاتم الأنبياء والمرسلين ، وهي أجل نعم على الإطلاق ، وقد كان الذين سبقوا بعثته يتمنون لو أدركوا مولده ورسالته ليكونوا الأمة الشاهدة على الأمم وخير أمة أخرجت للناس. وفضلا عن هذا وذاك، يجب أن يستحضر أن الله عز وجل خلق خاتم الأنبياء والمرسلين وحمله الرسالة الخاتمة ، وكلفه بتنزيلها وأجرأتها في الحياة ، وجعله إسوة  وقدوة يتأسى ويقتدىة  به ، والتأسي والاقتداء يقتضيان معرفة الإسوة والقدوة من ميلاده إلى وفاته وما بينهما من أحوال  .

إن مولد الرسول الأعظم ليس كمولد أحد من الناس ، ومن تجاهل مناسبته، فقد أساء الأدب معه لأنه ينزله منزلة عامة الناس وفيهم من لا قدر له ومع ذلك يحتفل بمولده ،بينما ينكر البعض الاحتفال بمولد صاحب القدر العظيم الذي قال فيه الله عز وجل (( وإنك لعلى خلق عظيم )) ، وهو خلق جمع فيه الله عز وجل لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم كل الصفات التي كانت في الأنبياء والرسل السابقين، لأن مهمته كانت أكبر من مهمتهم، فهو المبعوث للعالمين، بينما كانوا يبعثون لأقوامهم فقط .

ومولده صلى الله عليه وسلم هو حلول وقت الخلق العظيم بما تضمنه من صفات ، أفلا تحضر الكياسة من يتجاهل الاهتمام بهذا المولد بل من ينكره ،وهو يدعي في نفس الوقت أنه على هدي صاحب الخلق العظيم ، وليس له من خلقه شيء إن هو إلا  يظن ،وقد زين له ذلك شيوخ البترودولار الذين سقطت أقنعتهم، وفضح الله ما كانوا يخفون من تقديم عرض الدنيا الزائل على الآخرة بتملقهم لأولياء نعمتهم من الساسة وإقرارهم على الظلم والباطل؟ باستثناء الذين غيبتهم السجون والمعتقلات أو قتلوا، ولم يقايضوا آخرتهم بعرض الدنيا الزائل ، ولم يخشوا في الله لومة لائم ولا لؤم لئيم .

وأشد جهلا من الذين ينكرون الاحتفال بمولد رسول الإسلام صلى الله عيه وسلم ،الذين ابتدعوا بدعا ينسبونها له كذبا عليه من الطرقية الذين يزعمون بدورهم أنهم أصحاب الحقيقة  ، وأن ما سواهم لم تكشف لهم حجب الغيب التي كشفت لهم ، و أنهم لم يعطوا مثل  كراماتهم ، و مثل الأسرار المستغلقة التي فتحت لهم وحدهم بفضل شيوخهم الذين ارتقوا مراقي الغيب الذي لم يكشفه الله عز وجل إلا لصفوة رسله وأنبيائه، وهم يزعمون زعم السامري الذي قبض قبضة من أثر نبي الله موسى عليه السلام ،فأخرج لقومه العجل ، وإنهم ليخرجون لمريدهم عجولا كعجله في شكل شطحات وترانيم تتغنى بكراماتهم بينما يحتفظون بالحلي لأنفسهم ولا يذيبونها كما أذابها السامري في عجله ، فهم أذكى وأمكر من السامري، لأن عجله كان من حلي بينما عجولهم مجرد أوهام وخرافات وحيل تنطلي على المغفلين والسذج الذين يبتاعونها بالمال والحلي .

لهؤلاء نقول إن مناسبة المولد هي مناسبة قياس المسافة الفاصل بينهم وبين الاقتداء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي مسافة شاسعة بسبب مخالفة أحوالهم لأحواله ،لأنه لم يثبت عنه ما ابتدعوه من شطحات وغيرها من البدع التي لا يقرها كتاب ولا سنة ، ولم يثبت عنه جمع الهبات لصناديق الشيوخ مقابل بيع الأحلام والأوهام والمسبحات ، ولم يثبت عنه نحر الذبائح على الأضرحة ، ولا بناء القبب عليها ،ولا إقامة الموائد حولها …إلى غير ذلك من البدع والضلالات السخيفة  .

إن الاحتفال الحقيقي بمولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم ،هو اغتنام فرصة حلوله لاستعراض شمائله وسيرته التي تعبّدنا بها الله عز وجل ويكون الاستعراض من خلال حضور حلقات أهل العلم الحق لمحو الأمية والجهل بالشمائل المحمدية ،وتدارك ما فات منها وما جهل ، وما لم يعلم، ليبدأ المشوار مع الاقتداء والتأسي حقيقة لا ادعاء وتعاليا كما هو حال السلفية والطرقية معا .

 إن المطلوب من الاحتفال بالمولد، والاحتفال عبارة اهتمام وانشغال قبل أن يكون عبارة  عن طقوس ومظاهر شكلية فارغة، هو استحضار النبي صلى الله عليه وسلم كل وقت وحين، وفي كل الأحوال والمعاملات، لأنه موجود بيننا وحيا وسنة، في كل لحظة يرفع اسمه الشريف في كل أذان ، وهو أذان لا ينقطع في المعمور على  مدار الساعة ، ويذكر في كل تشهد ، وعقب كل صلاة ، ويرافقنا في كل الأماكن وخلال كل المعاملات . وما الاحتفال بالمولد سوى خريطة طريق كما يقال لمعرفة كيفية معاشرة سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم تشربا وتمثلا وتطبيقا .

وأخيرا نكرر لا إنكار السلفية للاحتفال بالمولد ، ولا ابتداع الطرقية يضيرانه ، ولقد انتشر  اليوم الوعي بين عموم المسلمين بتطرف هؤلاء وهؤلاء ، ولم يعد يقع في شراكهم سوى السوقة والرعاع والمغفلون ، والمغرضون والانتهازيون وأصحاب المصالح الذين يقايضون آخرتهم بعرض الدنيا الزائل .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. يوبا
    25/11/2018 at 18:45

    من هو الشاعر الذي قال « ليتني لو كنت أعرف من الصحيح » هذا الكلام ينطبق على الفرق المشار إليها في المقال. غريب أمر الذين يعتقدون أنهم أصحاب علم وهم في الحقيقة لا يعلمون لأنه كما يقول المثال الصيني « من يعلم حقيقة لا يتكلم »،

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *